ولولا هذه الصيحات المدوية ما أستيقظ أهل الكهف في: الشرق. ولن ألفت القارئ إلى ما في الأبيات السالفة من سلاسة وعذوبة فهي يتم عما يترقرق فيها من جمال فاتن، وتشهد لقائها المطبوع بالجودة والافتنان.
ولقد كان الشاعر دارساً لدينه دراسة مستفيضة، ولم ينجح به هواء - وهو المسلم الغيور - إلى المغالاة والتعصب، بل كان يضع الأمور في نصابها وضعاً صحيحاً، فحين بذر (السيرغورست) بذور الشقائق بين المسلمين والأقباط، أدرك محرم مراميه الدنيئة، فهب يدعوا إلى التسامح الديني ويذكر العنصرين المتناصرين لمبادئ الإنجيل والقران، ويشيد بعظمة المسيح ومحمد، ويرجع القهقري إلى التاريخ المصري القديم فيصور مجد الفراعنة الزاهر، ويستشهد بالأهرام الشاهقة، والمعابد الماثلة، ويعرض لما كان بين عمر والمقوقس من عهود، ثم يهدف إلى المطامع الأوربية وما بيته الإنجليز لمصر من شر يعصف بالعزة ويمحق الكرامة. وقديما كان التسامح والتواد منهج القادة من المفكرين والمصلحين وبهذه الروح السامية تكشفت خبائث المحتلين وافتضح الثعلب الإنجليزي الماكر فأطرق برأسه إلى الأرض حين أبصر الهلال والصليب يتعانقان في محبة وسلام.