(وإذا عرفنا أن وفاة الطوسي رحمة الله - كانت عام ١٢٧٤م علمنا أن ابن العبري توفي بعد الطوسي ب (١٢) سنة فهو إذن قد شاهد الحركة العلمية في مراغة).
وقد قال ص٥٠٠ من تاريخه (وفي ٦٧٥هـ توفي في الخواجا نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب الرصد بمدينة مراغه: وهو حكيم عظيم الشأن في جميع فنون الحكمة واجتمع إليه في المرصد جماعة من الفضلاء والمهندسين وكان تحت حكمه جميع الأوقاف في جميع البلاد التي تحت حكم المغول وله تصانيف كثيرة: منطقيات وإلاهيات وأوقليدس ومجطسي وله كتاب أخلاق فارسي في غاية ما يكون من الحسن جمعه فيه نصوص أر سطو وأفلاطون في الحكمة العملية، وكان يقوي آراء المتقدمين ويحل شكوك المتأخرين والمؤاخذات التي أوردوا في مصنفاتهم ثم يذكر أعوانه على الرصد. وقد ذكر عن محي الدين المغربي ما نقله له من كيفية خلاصه من ذبح التتار له فقال: كان محي الدين المغربي مع الملك الناصر فلما أراد المغول أن يقتلوه وجماعته قال محي الدين لهم: إنني رجل أعرف علم السماء والكواكب والتنجيم ولي كلام أقوله لملك الأرض (يعني هولاكو) يقول أبن العبري - قال محي الدين المذكور لما اجتمعنا به في مدينة مراغة - أنني لما قلت لهم هذا الكلام أخذوني وأحضروني بين يدي هولاكو فتقدم أن يسلموني إلى خواجا نصير الدين).
وإنك من كلام ابن كثير وابن العبري وهما قريبا عهد بالطوس إذ توفي ابن كثير بعد الطوسي ب (٩٩) سنة - نجد أن الطوسي رحمة الله قد أحدث حركة علمية جبارة في مراغة عهد الغزو المغولي وقد حمى الثقافة الإسلامية من الدثور والاضمحلال في زمن تهدمت فيه اغلب الحواضر الإسلامية من سمرقند إلى بغداد وغيرهما، وكان مرصده عظيما ومكتبته أعظم.
لقد شيد نصير الدين صروح تلك المدرسة التي اسبغ عليها طابعة الخاص من اهتمامه بالفلك والرياضيات والفلسفة فلم تكن مدرسة لغوية كمدرستي الكوفة والبصرة حين انتظمت حلقات الكوفيون والبصريين من النحاة وعلماء اللغة كالأصمعي وأبي زيد والخليل بن أحمد وتلميذه سيبوية - كلا إنما كانت مدرسة الطوسي معهداً للعلوم العقلية؛ لذلك تركت صدها مدويا في أوربا وأمريكا وكانت يد الطوسي المباركة رحمة حمى الله بها تراث الإسلام