الدنيا، ولا تنبع من هذه المنابع الآسنة التي منها يستقون علاقاتهم.
قلت، وقد قام بنفسي أن أداري ألم الصدمة: ليكن هذا فخلهم وصغائرهم، فما تصاحبنا لبذل في الخلق.
فوجمت قليلاً، ثم قالت: ليس عن غباوة تتكلم، وعاجلتها دموعها، وقد والله يا صاح رأيت أنواعاً من الدمع، فما رأيت أشجى ولا أبعث للأسى من دموع هذه الحسناء البريئة المظلومة، إنها بهذه القطرات تحاول أن تستنطق العناصر وتستشهدها على طهرها وظلم الإنسان.
قلت: هوني عليك أو بلغ الأمر إلى هذا الحد؟!. . .
قالت: أجل! ومن حين وأنا أكتمك إياه، وزوجي وأقرباؤه لقد طلبوا مني أن اقطع معك هذه العلاقات، انهم يرونها خطرا على كرامة الأسرة، وغدا يسافر بي إلى بلد ناء كتم عني أسمه وإخاله لن يعود إلا متى رحلت!!. . . . .
ودارت بي الأرض الفضاء وصرخت كالمذعور:
محال هذا، إنهم يملكون منك الجسد، أما الروح فهو وقف على محبتي، لن أدعهم - وأنا قادر - يحطمون كأس حياتي. .
كيف يفصلونك عني؟! أيفرق الروح عن الجسد دون أن يتقوض؟. . . .
ثم كانت ساعة افتضح فيها جلدي، فطفقت أبكي، لقد بكيت كثيراً، وما صحوت إلا وهي تضمني، وتبللني بمدمعها، ثم طبعت على فمي قبلة، طبعت على فمها مثلها، هي أنل وآخر قبلة، هي أثمن ما أمتلك من ذكرى. .
ومالي أشق عليك، لقد انتزعوها مني كما ينتزع الطفل عن ثدي أمه، لقد ذهبوا بأجمل حياتي، وموئل ذكرياتي.
لقد كانوا قساة، فلم يرحموا غرباء جاءوا دنياهم على عجل، ويمضون كما جاءوا.
لقد ذهب معها الصبر، فأصبحت هذه الدنيا في نظري كشراك الطائر ضيقة قفراء من كل ما يلهم العزاء.
وأنى لي أن أحمل كل هذه الدنيا من الأوصاب، فسقطت مريضاً خائر القوى، ولي هاهنا - بالمستشفى - شهران لا أبل إلا لأنتكس. .