تعتقدون أن الاختلافات السياسية والدينية التي حدثت في تاريخ العرب كانت أكثر وأشد وأعنف من التي تجلت في تواريخ الأمم الأخرى؟
أنا أعرف أن الآراء الشائعة الآن لا تدع مجالاً للتفكير ملياً في هذا السؤال؛ لأنها تحمل الأذهان على الرد عليه فوراً بالإيجاب.
وأعترف بأني أنا أيضاً كنت - مدة من الزمن - من المتأثرين بهذه الآراء الشائعة، ومن المسلمين بأن تاريخ العرب يشذ في هذه القضايا عن تواريخ الأمم الأخرى شذوذاً كبيراً. أني بدأت أشك في صحة الآراء الشائعة عندما أخذت أتعمق في دراسة التاريخ العام؛ وازددت شكاً فيها كلما تغلغلت في هذه الدراسة؛ إلى أن أصبحت أعتقد اعتقاداً جازماً بأنها لا تتفق مع الحقائق التاريخية الثابتة أبداً؛ لأنها لا تقوم على مقارنات شاملة، بل تستند إلى استقراء ناقص جداً.
إننا ننفعل، ونتألم، ونغضب. . عندما نقرأ أخبار الاختلافات التي حدثت في تاريخ العرب. . ولا سيما عندما نتتبع نتائج هذه الاختلافات ونطلع على كيفية تضاؤل سلطة الخلافة، وتشتتها بين سلطات السلاطين وملوك الطوائف العديدين.
إننا ننفعل ونتألم من هذه الأخبار والحوادث التاريخية، لأننا نقيس أحوال القرون الماضية بمقاييس الأزمنة الحاضرة. . . ولا نكلف عناء البحث في التاريخ العام بحثاً شاملاً، لكي نعرف ما كانت تلك لأحوال من الأمور التي تشذ فيها الأمة العربية عن سائر الأمم، أو كانت من الأمور الطبيعية التي تتساوى فيها جميع الأمم في بعض الأطوار من تاريخها.
فيجب علينا، قبل كل شيء، أن نطلق أذهاننا من ربقة هذه الآراء الشائعة، لندرس هذه القضايا من جديد، بنظرات علمية بحتة، مع استقراء الحوادث التاريخية استقراء تاماً.
فلنبدأ أولاً بقضية الاختلافات الدينية. ولنستعرض ما حدث منها في أوربا، طوال القرون الوسطى وخلال النصف الأول من القرون الأخيرة. . . نجد أنها لم تكن قط أقل تنوعاً ولا أخف عنفاً مما حدث في العالم العربي خلال الأزمنة المذكورة، إن لم تكن أكثر تنوعاً وأشد عنفاً منها. .
أحصوا المذاهب المختلفة التي نشأت في الغرب منذ ظهور المسيحية في البلاد الأوربية خلال القرون المذكورة. . . استعرضوا الخلافات الدينية والمذهبية التي حدثت بين الدول