للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا ننس أن هذه الحروب التي اشترك فيها معظم المدن اليونانية هي التي أدت إلى تحطم الأسطول الأسبارطي من جهة، وإلى تدمير أسوار أثينا من جهة أخرى.

وقد حدثت هذه المنافسات والمحاربات بين تلك الدويلات، مع أن مساحة اليلويونيز - مع شبه جزيرة آتيكا - كانت أقل من مساحة بعض المديريات في مصر، والمحافظات في سوريا، والمتصرفيات في العراق. ومع أن المسافة التي تفصل أثينا عن أسبارطة لا تختلف كثيراً عن المسافة التي تمتد بين القاهرة والإسكندرية، وتقل كثيراً عن التي تفصل دمشق من بغداد، وتتضاءل تماماً أمام المسافات الشاسعة التي تفصل بغداد عن قرطبة ولا سيما بلخ عن لشبونة.

إن هذه المئات من الدويلات اليونانية التي تقاسمت هذه الرقعة الصغيرة من الأرض ظلت متفرقة متنافسة متخاصمة، ولم تجتمع تحت إدارة واحدة إلا عندما دخلت تحت حكم دولة أجنبية.

ترون، أيها الأستاذ، أن الأمة اليونانية لم تكن قط في حالة تحسد عليها من هذه الوجهة.

وأما الرومان، فلا شك في أنهم امتازوا بين أمم التاريخ القديم بالاتحاد والانتظام. والإمبراطورية التي أسسوها عاشت مدة أطول من مثيلاتها بوجه عام.

غير أنه يجدر بنا أن نلاحظ أن هذا الامتياز نتج عن توافر عدة عوامل وأوضاع مساعدة لم تتيسر لغيرها أبداً.

أولاً: أن السلطنة الرومانية تكونت بتدرج عظيم، وهذا التدرج ساعد على رسوخ الأوضاع الجديدة واستقرارها مساعدة كبيرة.

ثانياً: أن الإمبراطورية الرومانية شملت جميع سواحل البحر الأبيض المتوسط. ولا حاجة إلى القول بأن روما كانت في نقطة مركزية من هذا البحر، وقد ساعد ذلك كثيراً على اتصال العاصمة بمختلف أقسام السلطنة عن طريق البحر بسرعة وسهولة بالنسبة إلى وسائط النقل والمواصلة المعلومة في تلك العصور القديمة.

ثالثاً: أن السلطنة الرومانية لم تتباعد عن السواحل كثيراً، ولم تتغلغل في الأقطار القارية أبداً. إنها لم تسيطر على جزيرة العرب ولا على ما بين النهرين؛ فمعظم أقسام العراق، وجميع بلاد إيران وخراسان، وما وراء النهر والأفغان. . . ظلت خارجة عن حوزة

<<  <  ج:
ص:  >  >>