ويلقي الجند على أعدائهم بندقاً من الحديد يزن عشرة أرطال إلى مائة رطل، ورماة هذا النوع من أدوات القتال يسمون الجوخية، أو يقذفونهم بقوارير النفط والقطران يرمون بها الحصون والقلاع للإحراق، ويسمى القاذفون بالرازقين؛ لأنهم يستخدمون لذلك أنابيب تعرف بالرزاقات.
ومن أشد ما استخدمه المصريون للفتك بأعدائهم النار اليونانية، وقد كتب عنها الأستاذ عبد الله عنان في كتابه:(مواقف حاسمة) حديثاً طويلاً عن نشأتها وتطورها، فذكر في (ص١٠٢) أنها كانت تركب من زيت النفط والكبريت والجير والقار. فينتج من ذلك السائل الملتهب. وكانت تستعمل في حروب البر والبحر معاً، في أثناء التحام الصفوف، وفي أثناء الحصار. فتقذف من فوق الأبراج أو الأسوار في آنية كبيرة، أو تطلق في كرات مشتعلة من الحديد والحجارة، أوفي سهام ملتوية قد لفت بالقنب والوبر والشعر مشبعة بالسائل الملتهب. وأما في المعارك البحرية فكانت تحمل في سفن النار: الحراقات. وتطلق من أنابيب طويلة من النحاس ركبت على مضخات ضاغطة توضع في مقدمة السفينة، وتجعل على هيئة وحوش فاغرة أفواهها تقذف وابلاً من النيران السائلة المضطرمة) ويذكر الأستاذ ما كان لهذه النار من أثر في نفوس الفرنج في معركة المنصورة، وينقل لذلك قول مؤرخ شاهد عيان في تلك المعركة من الفرنج هو (دي جوانفيل) الذي يصف هذه النار بأنها تثب مستقيمة كأنها أسطوانة كبيرة، ولها ذيل من اللهب قدر الحربة، ودوياً يشبه الرعد، وكأنها جارح يشق الهواء، ولها نور ساطع جداً من جراء عظم انتشار اللهب الذي يحدث الضوء حتى إنك ترى كل ما في المعسكر، كما ترى في ضوء النهار، ويصف هذا المؤرخ ما أحدثته هذه النار من تدمير في معسكرهم ورعب في قلوبهم، ولم يستطع الصليبيون في ذلك الحين معرفة سر تركيب هذه النيران.
وكان المسلمون يتقون مقذوفات عدوهم بسنائر توضع على الأسوار والسفن لتستر المقاتلين، ويكافحون نيران عدوهم التي تقذف على مراكبهم بأن يعلقوا حول سفنهم الحربية من الخارج جلوداً مبلولة بالخل والماء والشب والنطرون لدفع أذى النفط، وكذلك كان يستعمل الأعداء في تحصين آلاتهم الحربية، ولكن بعض العرب قد اخترع من النيران ما لا يقف الخل في سبيله: صنع العدو في حصار عكا ثلاثة أبراج من خشب وحديد وألبسها