الجلود المسقاة بالخل، بحيث لا تنفذ فيها النيران، وكانت هذه الأبراج كأنها الجبال عالية على سور البلد، ومركبة على عجل يسع الواحد منها من المقاتلة ما يزيد على خمسمائة نفر، ويتسع سطحها، لأن ينصب عليه منجنيق، وقد ملأ ذلك نفوس المسلمين خوفاً ورعباً، ويئس المحاصرون في المدينة، ورأوها وقد تم عملها ولم يبق إلا جرها قرب السور وأعمل صلاح الدين فكرة في إحراقها، وجمع الصناع من الزراقين والنفاطين وحثهم على الاجتهاد في إخراقها، ووعدهم على ذلك بالأموال الطائلة والعطايا الجزيلة، ولكن ضاقت حيلهم عن ذلك. وكان من جملة من حضر شاب نحاس دمشقي ذكر بين يديه أن له صناعة في إحرانها وأنه إن مكن من الدخول إلى عكا، وحصلت الأدوية التي يعرفها أحرقها؛ فحصل له جميع ما طلبه، ودخل إلى عكا وطبخ الأدوية مع النفط في قدور نحاس حتى صار الجميع كأنه جمرة نار، ثم ضرب واحداً بقدر، فلم يكن إلا أن وقعت فيه، فاشتعل من ساعته ووقته، وصار كالجبل العظيم من النار طالعة ذؤابته نحو السماء واستغاث المسلمون بالتهليل، وعلاهم الفرح حتى كادت عقولهم تذهب. وبينما الناس ينظرون ويتعجبون إذ رمى البرج الثاني بالقدر الثانية، فما كان إلا وصلت إليه واشتعل كالذي قبله فاشتد ضجيج الفئتين، وما كان إلا ساعة حتى ضرب الثالث فالتهب وغشي الناس من الفرح والسرور ما حرك ذوي الأحلام.
وهكذا تفوق المسلمين الحربى في تلك العصور.
واستخدم المسلمون في سفنهم الكلاليب يلقونها على مراكب أعدائهم. فيقفونها، ويشدونها إليهم، ثم يصنعون جسوراً من الألواح تصلهم بها، فيدخلون إليها ويقاتلون أصحابها.
ولخلق جو من الحماسة في صدور الجند استخدموا، والمعركة دائرة، دق الكئوس ونفير الأبواق، كما تصنع الآن الفرق الموسيقية.
هذا وكانت آلات القتال تصنع في مصر والشام وتباع فيهما في سوق السيوفيين وسوق السلاح.
وعنى في ذلك الحين بإنشاء القلاع في المدن، والأسوار حولها وكان صلاح الدين يتفقه في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق وأحب أن يجعل لنفسه معقلاً بمصر كمعاقل الشام، فأمر بإنشاء قلعة بالقاهرة وسور يحيط بها وبالقلعة ومصر وأقام على عمارة ذلك بهاء الدين