قراقوش الأسدي، فبدأ في بناء ذلك سنة ٥٧٢ وهدم ما هنالك من المساجد، وأزال القبور، وهدم الأهرام الصغار التي كانت بالجيزة تجاه مصر وكانت كثيرة العدد، ونقل ما وجد بها من الحجارة، وبنى به السور والقلعة وقناطر الجيزة وتم قسم كبير من القلعة. وكان صلاح الدين يقيم بها أياماً، كما سكنها الملك العزيز عثمان، في أيام أبيه، ولكن السلطان مات قبل أن يتم العمل في السور والقلعة فأهمل العمل إلى أن كانت أيام الملك الكامل محمد، فإنه أتم بناء القلعة وأنشأ بها الآدر السلطانية ودواوين الدولة، وسكنها حتى مات، وظلت من بعده دار مملكة مصر إلى أن كان الملك الصالح نجم الدين أيوب، فإنه أنشأ قلعة بالروضة شرع في حفر أساسها يوم الأربعاء ٥ شعبان سنة ٦٣٨. وهدم لها ما كان في هذه الجزيرة من دور ومساجد وكنائس، وقطع ألف نخلة مثمرة، كان رطبها يهدى إلى ملوك مصر لحسن منظره وطيب طعمه، وأنفق في عمارة قلعته أموالاً جمة، وبنى فيها الدور والقصور، وعمل لها ستين برجاً، وبنى بها جامعاً وغرس فيها جميع الأشجار، ونقل إليها عمد الصوان من البرابي وعمد الرخام وشحنها بالأسلحة وآلات الحرب وما يحتاج إليه من الغلال والزاد والأقوات خشية محاصرة الفرنج، وبالغ في إتقانها مبالغة عظيمة. وكان الملك الصالح يقف بنفسه ويرتب ما يعمل حتى بلغت حداً يدهش؛ لكثرة زخرفها وحسن سقوفها وبديع رخامها. ولما كملت تحول إليها بأهله وحرمه واتخذها دار ملك، وأسكن فيها معه مماليكه البحرية، ولم تزل هذه القلعة عامرة حتى زالت دولة بني أيوب. فلما ملك المعز أيبك أمر بهدمها، وعمر منها مدرسة، وطمع في القلعة من له جاه، فأخذ ما يروقه من سقوفها، وأخشابها، وشبابيكها حتى بنى بعضهم منازل منها، فلما جاء بيبرس اهتم بعمارة قلعة الروضة، وأراد إعادتها كما كانت، فأصلح بعض ما تهدم فيها، ولكن هيئتها لم تدم فإن قلاوون لم يكد يشرع في بناء البيمارستان والقبة والمدرسة المنصورية، حتى أخذ من قلعة الروضة ما يحتاج إليه منها، كما أخذ الناصر محمد منها ما احتاج إليه في بناء أبواب بقلعة الجبل وجامع له. وهكذا ذهبت القلعة كأن لم تكن.
أما بلاد الشام فكانت مليئة بالقلاع والحصون كقلعة حلب وقلعة دمشق وحصن الكرك وكوكب، وشقيف أرنون وبصرى وهوتين وتينين وتل باشر وقلعة حماة وحمص وعكا والشوبك وصرخد وكثير غير ذلك. ومعظمها يناطح السحاب بعلوه ويشبه الجبال بمتانته