وعنى بهذه القلاع والحصون؛ لأن المدينة إذا خلت من حصن يسهل على العدوأن يجتاحها كل حين. وأحياناً كان المسلمون يضطرون إلى هدم أسوار المدن وقلاعها، حتى لا يتحصن بها الأعداء إذا سقطت في أيديهم، وقد شاهدنا أمثلة لذلك فيما مضى.
ومما عنى به في ذلك الحين برجا دمياط، فقد كانت دمياط هدفاً للصليبيين في ذلك العصر، هاجموها في عصر الدولة الفاطمية والأيوبية. والمؤرخون مختلفون في وصف هذين البرجين، فأبو شامة يجعل البرج واحداً في وسط النيل، ودمياط بحذائه من شرقيه، والجزيرة بحذائه من غربيه، وفي ناحيتيه سلسلتان تمتد إحداهما على النيل إلى دمياط، والأخرى على النيل إلى الجزيرة، تمنعان عبور المراكب من البحر المالح، فهو قفل الديار المصرية إذا أوثقت السلسلتان امتنع على المراكب العبور إليها، ومتى لم تكونا عبرت المراكب، وبلغت إلى القاهرة ومصر وإلى قوص وأسوار.
والمقريزي في السلوك (ج٢ص٧٢وص١٨٨) والخطط (ج١ص٣٤٧) يقول: (وكان إذ ذاك على النيل برج منيع في غاية القوة والامتناع فيه سلاسل من حديد عظام القدر والغلظ تمتنع في النيل لتمنع المراكب الواصلة في بحر الملح من عبور أرض مصر، وتمتد هذه السلاسل في برج آخر يقابله، ويعرف اليوم مكانهما في دمياط بين البرجين). وأبو شامة قد وصف ما رآه والظاهر أن البرج الثاني القريب من شاطئ دمياط لم تكن له أهمية حربية، كالبرج القريب من الشاطئ الثاني. ويرجع إنشاء هذا البرج غالباً إلى أيام المتوكل سنة٢٣٧. فإن دمياط منذ العصور الأولى للإسلام كانت محط أنظار الغزاة.
وعنى صلاح الدين بهذين البرجين، فرتب المقاتلة عليهما، وأتقنت السلسلة التي بين البرجين وشدت إليها مراكب ليقاتل عليها ويدافع عن الدخول من بين البرجين، ورم شعث سور المدينة، وسدت ثلمه، فبلغت النفقة على ذلك ألف ألف دينار.
وهاجم الفرنج دمياط سنة ٦١٥ في آخر أيام العادل، وعملوا آلات ومرمات وأبراجاً متحركة يزحفون بها في المراكب إلى برج السلسلة ليملكوه، حتى يتمكنوا من المدينة، وألحوا في مقاتلة أهل البرج، فلم يظفروا منه بشيء مدة أربعة أشهر، ثم احتال الفرنج فأقاموا برجاً من الصواري على بطسة كبيرة وأقلعوا بها حتى أسندوها إليه، وقاتلوا من به حتى أخذوه. وكان ذلك ممهداً لأخذهم دمياط على ما ذكرنا. ولما علم العادل بأخذ الفرنج