سواء، يتعاونون على نفقات العيش، ويتآزرون على حوادث الحياة، يتكاتفون على قسوة الغربة، ويتظاهرون على مشقة الدرس
ودخلت حجرة الشيخ علي مثلما دخلت حجرة الشيخ فهمي من قبل، فهما على نمط واحد، لا تبذ واحدة واحدة. ولكن نفسي اطمأنت إلى هذه حين لمست فيها الإيناس بقدر ما نفرت عن تلك حين وجدت فيها الوحشة. أنست إلى هذه لأنني ألفيت هنا الصاحب والرفيق، ولأنني وجدت ومهرباً من الشيخ فهمي، فما لي به حاجة من بعد، وهو رجل ضيق العقل، راكد الذهن، شحيح النفس، جامد الكف؛ وهؤلاء رفاقي: نغدو معاً إلى الأزهر، ونروح سوياً إلى الدار. وهدأت هواجسي، فأنا الآن أستطيع أن أعبث مع صحابي كيف أشاء، وأستطيع أن أمكر بالشيخ علي حين تسوّل لي شيطانيتي أن أفعل، وهو الآن وليّ أمري وقائدي!
وصرفتني روح المرح واللعب والعبث - بادئ ذي بدئ - عن أن ألمس ما أعاني من شظف وشدة، وعن أن أحس ما أقاسي من حرمان وضيق. والشيخ علي ممسك لئيم مخادع، يراوغ الواحد منا عن قروشه، ويداوره عن مصروفه، وهو فظ لا يستشعر قلبه الحنان ولا الرحمة، ولا يبض كفه بدرهم أتنسم به روح الحياة الناعمة في القاهرة، فمشت زماناً لا أتذوق إلا الخبز والجبن والمالح، ثم جف حلقي وما لي طاقة بذلك!
وضاقت نفسي بما أجد فانطلقت إلى الشيخ في ثورة جامحة أسأله حقي، فرتب لي مليماً كل يوم لأشتري به متعة الحياة ولذة العيش!.
وادخرت - بعد أيام - مليمات، وإن نفسي لتهفو نحو الفاكهة وقد حرمتها منذ زمان وأنا أرى دكان الفاكهي في غدوي ورواحي فيجذبني إليه في شدة وعنف ولكني لا أجد الجرأة على أن أقف ببابه أساومه. ثم دفعني شيطاني إليه - بعد حين - فاشتريت ربع أقة عنب دفعت ثمنها ستة مليمات. ولكن حرارة القيظ تركت العنب يتلهب كأنما أوقد عليه بنار جهنم، ثم دفعني شيطاني مرة أخرى فاشتريت ثلجاً بمليم واحد. وهكذا أنفقت في واحدة كل ما أملك: سبعة مليمات ادخرتها في أيام وأيام.
وتسللت إلى حجرتنا في حذر وأنا أوقن بأنها خاوية، وأن أصحابي جميعاً في الأزهر ولن يحضروا إلا بعد ساعة؛ ودلفت إليها على مهل، ثم وضعت أمامي العنب وسويت عليه الثلج، وطفقت أنظر إليه في شوق وأتأمله في شغف، وأتناول الحبة إثر الحبة، أتذوقها في