ولا نهوى إلا لغتنا العصرية السهلة الواضحة، التي يفهمها كل إنسان حتى راعي البقر. . .) أن نجم لنا مثل ذلك الذئب وعوى عواءه، ألقمناه حجراً وحجرين، وعصوناه ثم قلنا له: أجل أيها المدجل المحاوت إن لكل دهر لغة، وإن لطبيعة العصر سلطاناً. . . غير أن (لغتك العصرية) هذه لغة معتلة، فنحن ندعوك إلى مداواتها وتقويتها بتلاوة القول القديم، لكيلا تُسَلْ أو يدود لحمها ثم تموت. . .).
بمثل هذا القول كان يصمت أولئك الذين طالما دعوا - من حوله - إلى نبذ لغة (القرآن)، والاستعاضة عنها برطانة غوغاء السوقة، وترك ما أفنى أئمة العربية شباة أقلامهم وشباب أعمارهم، بجمعه واستنباطه من قواعدها وأصولها، واستبداله بما خيلته طبيعتهم الأعجمية، من كلام مهمل سقيم. . . يا للكفر الصراح، ويا للعقوق الآثم! لم لا يعد هذه (الثلة كالثلة)؟ ولم لا يعد من كان في مثل هؤلاء (ذنيماً أفاكاً)! بل هل عسيتك - لو كنت حيث كان - إلا معترضاً بمثل قوله:
(كلا! إن هذا الزنيم قد جهل وجار عن الحق، واحتقد على لغة العرب فكدح في محقها (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، يأبى الله أولا يتم نوره. . .).
لكأني بك تقول ذلك (أو من مثله) ما دمت تغضب لهذا الإرث الجليل الخالد، الذي لو كان حصاد عام، بل لو كان حصاد جيل لتأسى فاقده. ولكنه - يا فتى - حصاد المئين من السنين! فأنى لك العزاء (آنذاك)؟ والخطب - لو حصل - جليل، والمصاب - لا كان - مفزع مهول! فما لأبي عبيده لا يفزع؟ بل ماله لا يستنفر الإنس والجن والسموات والأرض والجبال. فيخرج من (صومعته) هائجاً، وهو يردد متسائلاً:
(وكيف يسول الخبث والعجز والجهل ولؤم الضريبة، كيف يسول كل ذلك للفتى أن يأتي بالكفر براحاً وبالشر صراحاً، ولا يحسب لكفره بالحقيقة حساباً، ولا يخشى لشرارته عذاباً، ولا يخاف عقباها؟ وكيف يهون له احتقاب كل موبقة. أن يؤتى إلى اللغة العربية. . . فيجز شعرها، ويخدش ذلك الخد الأسيل. . . ويخمش ذلك الوجه الجميل ويفحم! وتصبح (ابنة عوف) مضرب المثل في القبح، وهي المثل المضروب في الحسن والجمال!!. . .).
أرأيت كيف كان أبو عبيده (طيب الله ثراه) يغضب للعربية وأهلها، فلا تأخذه في سبيلها لومة لائم، ولا يبالي أن يخاصم القريب والبعيد مادام قد أنحرف عن الجادة، وجانب