عقوقاً فلا بد أن تجذبه أصالة المحتد وكرم النجار. . .) ويحين موعد انصرافي فأستشيره في فقرات من قوله أعرضها نمطاً من أسلوبه وأنا أتحدث عنه في طليعة الأدباء أثناء بحثي عن (الأدب في فلسطين) في المجلة المحببة إلى قلبه (الرسالة الزاهرة)، فلا يكون منه إلا أن يتناول كتاباً يضع سبابته على سطر فيه وهو يقول:(أكتب من هنا، ولن تنطقني بقول تنتزعه من سويداء نفسي، وتستخلصه من قرارة يقيني إلا أن يكون هذا!!). ثم أجدني أقرأ (هناك) كلاماً لا يختلف عما كنت أسمعه منذ هنيهة إلا بالفاظه، وجعلت أعجب حين رأيتني حيال كلام قاله عام (١٩٧٢) جاء فيه:
(اللغة هي الأمة، والأمة هي اللغة. وضعف الأولى ضعف الثانية، وهلاك الثانية هلاك الأولى. . . واللغة ميراث أورثه الآباء والأبناء، وأحزم الوارث صائن ما ورث، وأسفههم في الدنيا مضيع. وإنا أمم اللسان الضادي لعرب، وإن لغتنا هي العربية، وهي الإرث الذي ورثناه. وإنا لحقيقون - والآباء هم الآباء، واللغة هي اللغة - بأن نقي عربية الجنس، وعربية اللغة.
ولو كان المورثون صغاراً، ولو كان الميراث حقيراً لوجب علينا إكبارهم وأعظامه، فكيف والتاريخ يقول: إن الآباء كانوا كراماً، وإن الآباء عظاماً. . . والزمان يقول: إن العربية خير ما صنعت يداي. (وأن الدهر لصنع)، وأنها لخير طرفة أطرفها الناس، والزمان بالخير وإن جاد شحيح، فالعربية الصنع العبقري للدهر، والعربية الدرة اليتيمة، أو كنز الزمان، ضن به ثم سخا. . .).
يا أخي القارئ: هذه عبرة ناطقة، أذرفها بين يديك في ذكرى هذا النابغة العبقري فإن أنت عرفته من آثاره ولم تره، فليس الخبر كالخبر! وإن كان خبره جديداً عليك (وما أخاله يكون)، فاعلم أننا في فقده حيال مجاهد كان سيفه القلم، وميدانه القراطيس، وجلاده عنيف قاصم، لا هوادة فيه مع أخصامه، (وأخصامه أخصام العربية):
ولطالما حاز النصر باهراً، والظفر مؤزراً. فرفع من شأن هذه اللغة الكريمة، ما أعلى منارها وسهل من عسيرها حتى حببها إلى غلف القلوب. وفي سبيلها لم يجاوز ميداناً إلا صال فيه ولا خصماً إلا ثبت في وجهه ثبات (أحد) و (أبي قبيس)