فخلده الشاعر ولا جرم فقد كانت ثقافته تاريخية إسلامية، حيث استوعب ما قدر عليه من الصحائف المجيدة التي تجلو عظمة الفتح الإسلامي ويتحدث عن أبطاله المعلمين، فكان له من هذا الاستعياب مادة دسمة أكسبت انتاجه قوة ذاخرة، وأمدت سعره بأسباب متينة من الروعة والتفوق!! وإذا كان الشاعر قوي الإيمان بعظمة القادة المبرزين من أعلام الإسلام، فقد فتحت له عاطفته الدينية أبواب القول فصال وجال في ميدان التاريخ حتى لينفرد وحده بين شعراء العربية بتصوير البطولة الإسلامية تصويراً لا يتعلق بغباره متعلق، مهما حاول التقليد.
لقد نظر محرم إلى أعظم أبطال الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم فبهرته عظمته الفائقة، وأخذته روعته الخارقة، فنظم إلياذة كبيرة تقع في عدة آلاف من الأبيات المختارة المنتقاة، يسجل بها تاريخ الرسول الأعظم من ميلاده إلى أن جاءه اليقين. وقد قرأتُ ما وقع لي من شعر الإلياذة فكدت أستظهره في نهم، وتأكدت أن بلاغة محمد قد نضحت عليه من بيانها الرائع، فتطامن له المعنى الجموح، ووقف يده على النادر اليتيم من الأساليب، وقد راعى أحمد منازع حديثه، فهو في بدر وأحد يجلجل ويهدر حتى ليسمعك الصليل والصهيل، وقد يعمد إلى القافية الشموس في موقفه الحماسي. فيخضعها لبيانه المشرق. وللقارئ أن يطالع قصيدته الفائية في فتح مكة فهي وحدها الحجة والدليل.
وكنت أقع في دهشة عجيبة حين أجد الشاعر يتكلم في الموضوع الواحد مرات متعددة، وهو في كل فريدة من فرائدة يطالعك بمعان لم يجش بها خاطره قبل ذلك، وقد فرض على نفسه أن يحي رسول الله في كل عام بقصيدتين في مناسبتي الهجرة الشريفة والمولد السعيد. أضف إلى ذلك ما يعرض من المواسم الأخرى كذكرى غزوة بدر، وذكرى الفتح! ثم هو بعد هذا كله يشعر بأنه لم يقل شيئاً بجانب ما يليق بعظمة محمد فيقول في مخاطبته:
ما في النوابغ من لبيب حاذق ... إلا وأنت ألب منه وأحذق
والقول مستلب المحاسن عاطل ... حتى يقول العبقري المفلق
أنت المجال الرحب تعتصر القوى ... فيه وتمتحن الجياد السبق
حسان منبهر وكعب عاجز ... والنابغ الجمدي عان موثق
أطمعهّم فتجاوزوا فيك المدى ... وأبيت فانصرفوا وكل مخفق