سلام على الأخلاق في الشرق كله ... إذا ما استبيحت في الخدور الكرائم
أقاسم لا تقذف بنفسك تبتغي ... لقومك والإسلام ما الله عالم
ولولا اللواتي أنت تبكي مصابها ... لما قام للأخلاق في مصر قائم
نبذت إلينا بالكتاب كأنما ... صحائفه مما حملن ملاحمُ
أحاطت بنا الأسد المغيرة جهرة ... ودبت إلينا في الظلام الأراقم
ألا إن بالإسلام داء مخامرا ... وإن كتاب الله للداء حاسم
ولنقرن هذه الصيحة الناقمة على دعاة السفور بإحدى صيحات محرم في ضرورة تعليم الفتاة، لنعلم أن الشاعر لم يحارب تعليم المرأة في يوم من الأيام، وإنما احتاط لدينه ومروءته، وتمسك بكتاب ربه وهدى نبيه. وحسب الإسلام منه أن يذود عن مبادئه في قوة، ويتمسك بحدوده في إيمان، قال محرم:
ما أبعد الخير والمعروف عن أمم ... تعيش فوضى وترضى بالحياة سدى
وجاهل ظن أن العلم مفسدة ... للبنت فانتقص التعليم وانتقدا
مهلا قرب فتاة أهلكت أسرا ... بجهلها وعجوز أفسدت بلدا
الأم للشعب إما رحمة وهدى ... أو نكبة ما لها من دافع أبدا
لا يذهب الشعب في أخلاقه صببا ... والأم تذهب في أخلاقه صعدا
لا تيأسوا وأعدوا الأم صالحة ... في السبيل إلى إصلاح ما فسدا
على أن الشاعر لم يهاجم قاسماً وحده، بل كان يهاجم من المسلمين من يرى منه نزوعاً عن الشريعة، وكان يتأدب في هجومه بتوجيه الإسلام، ويسترشد بتعاليمه، فلا يميل إلى الإسفاف والمهاترة، أو يعمد إلى التشهير والتنديد، بل إن قصائده في أعداء الإسلام (كهانوتو وكروم) كانت تخضع إلى المنطق المعتدل وتتحاشى ما ينفر منه الأدب والذوق. ولله محرم، فطالما جادل بالتي هي أحسن، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، مع أن الشعراء يبيحون لأنفسهم من الإقذاع في الهجو ما ينأي عنه ذو الخلق الكامل والنبل الأصل!!
بقى أن نتحدث عن الناحية التاريخية في شعر محرم، وهي ناحية هامة شغلت جانباً كبيراً من اهتمامه، فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من إشارة إلى موقف تاريخي طواه الزمن،