فأحببت في خلقاً وسلوكاً، وأحببت فيك كل ما فيك، ولم أجرؤ أن أبين عن هذا الحب خشية أن يتمادى بي ثم تنقطع بيننا الأسباب. . . خشيت على نفسي يا سيدي، ولكن خلقا فيك كريماً أبى أن يشجمني فأجبتك وأحببت الناس فيك ولك. . ووجدت نفسي قد خلقت خلقاً آخر فلا حقد ولا بأس ولا قنوط؛ وما زلت بي يا سيدي تمد لي من عطفك فأمد لك من حبي حتى وجدتني أقول لك من غير داع (إنه لو جاء يوم أغبر قطعني هنك فإنني والله لن تقوم لي قائمة بعده). . . ولست أنساك يومئذ يا سيدي وأنت تضحك لي في حب كبير. . . (إنها أوهام. . . طالما يتخيل الإنسان أموراً ثم يجسمها فلا تلبث أن يذيبها مرور الأيام) وقلت لك يا سيدي: (إنه لن يكون هناك أيام لتذيبها فسوف أذوب أنا قبل أن تمر هاته الأيام) هكذا يا سيدي بلغ بي الحب فعشت أرصد حياتي لك ولخدمتك حتى نلت لديك ما نلت. وكنت أنت حياتي بعد أن تقلصت بي أسباب الحياة.
وهاأنت ذا يا سيدي اليوم تقصيني عن موارد حبك فأخرج إلى الكتاب مرة أخرى وألاقيه فيلاقيني مفتوح الذراعين حانياً، وكنت أقسمت يا سيدي وأنا أعمل بجريدتك ألآ أكتب في غيرها أبداً؛ ومازلت يا سيدي باراً بهذا القسم؛ بيد أنني تذكرت اليوم فقط أمراً لم يخطر لي ببال، تذكرت يا سيدي أنك مرهف الحس، دقيق الشعور، وخشيت يا سيدي إذا أنا حطمت حياتي أن تشعر بما جنيته علي، ولا أريدك يا سيدي أن ترجع إلي وأنا حطام لتعينني على حياة أكرهها ما دمت أنا بعيداً عنها. فقلت في نفسي: لأعمل حتى لا يشعر بما جناه، وحتى يطمئن إلي أنني مازلت أقاوم الحياة. وإنني يا سيدي حتى اليوم كلما سألني سائل عن سبب القطيعة خلقت في نفسي عيوباً لا أظنها تجرؤ أن تنتسب إلي وأنا من أحببته أنت حيناً من الدهر، ولكني كنت أجور على نفسي حتى لا يجور القوم عليك. . . فأنا مازلت أحبك شأني دائما، أما ما قام بنفسك من شك في وفي حبي لك فأنت وحدك الذي ستمحوه حين تستبين حقيقة نفسي ما دمت لم تستبينها حتى اليوم، وما دمت يا سيدي تعتقد - رغم كل ما أبنت لك - أنني كنت أداهنك وأداجيك. ولعمري أي فائدة تعود علي من المداهنة والمداجاة وأنا لم أطلب منك يوماً مطلباً لنفسي؟. . أي فائدة وقد أغريت لتركك بالمال فكنت أسب كل من يجرؤ على هذا أي فائدة!. . اللهم إلا إذا كنت تظنني أمثل لمجرد التمثيل؛ وحينئذ يا سيدي أسمح لي أن أرى في هذا التفكير انحطاطاً عما عرفته فيك من ذكاء لماح. . . ولكن