دعني يا سيدي أقل الحقيقة. . . إنك عجبت أن يكون في العالم إخلاص كإخلاصي، واستبعدت أن يحب شخص شخصاً مثلما أحببتك، وخشيت أن أكون كاذبا فقلت في ضميرك: لأرح نفسي من عناء البحث والاستقصاء والتحليل، ولأقطع بين وبينه الصلات قبل أن يفجعني بالخيانة. ولو أنك نظرت إلى ماضي وأنت تعرفه لعلمت أن مكانك من نفسي ليس بالغريب. . . لقد كنت يا سيدي بمثابة الواحة التي يجد بها التائه ماء وظلا وعيشاً، فهو قائم بها لا يريم. . . كنت يا سيدي كذلك في حياتي وما تزال يا سيدي كذلك ولن تزال.
لعلك تعجب لم أكتب إليك كل هذا الكلام. . . كتبت لأبين لك عما ينتفض به حسي، ولأطمئنك على قلبي من الأيام فلا يملكن عليك العطف شعورك، ولتهدأ بالا ولتثق يا سيدي أنني لن أصادق بعدك أحداً حتى لا أفجع فيه مرة أخرى، ولكنني سأعيش، وسأعيش بما أتحته لي من شهرة، فأنالك أيان تلقي بي الأيام رحلها، ولكنني أستحلفك يا سيدي إلا تعامل غيري بمثل ما عاملتني. . . على أنه لن يتاح لك أن تفعل، فأن أحداً لن يحبك أو يخلص لك كما أحببتك وأخلصت لك. . . لأن أحداً لم يلق في حياته إجداباً كما لاقيت. والسلام عليك ورحمة الله.
قرأ صاحبي الخطاب وأنا أتابعه مأخوذاً بأسلوبه المترسل عاجباً من إخلاصه المكين؛ وما أنتهى الصديق من القراءة حتى صحوت إليه أقول:
- فمن الكاتب؟
- لقد عرفت شخصيته وما أظنك بحاجة إلى معرفة اسمه.
- ولم أقصيته عن موارد حبك بعد أن أتحتها له؟!
- لقد أجاب هو عن هذا السؤال خير إجابة.
- أو ما يزال مقصيا!!
- أو تظنني إلى هذا الحد من الجمود! لقد ذهبت إليه أستغفره فنفر. . . إن كل ما أرجو أن يبلغ إخلاصي له مبلغ إخلاصه لي. . . أرج الله معي.
- والله إن لم تخلص له فأنت أكبر جحود رأيته، وأعيذك أن تكون ولن تكون. . . فبالله عليك لا تسر به إلا إلى الخير.