قريش، ورجعوا غانمين ظافرين، قد أمكنهم الله من عدوهم، ونصرهم عليه. بيد أنه كانت في عين كل واحد دمعه حزينة، استنزفها ذلك البطل الصغير (عمير) الذي استبسل في المعركة بسالة رائعة، وخاض غمرات الموت ببطولة نادرة، حتى وقع (شهيد) إيمانه القوي ويقينه الصادق، وإقدامه العظيم. . .
- ٤ -
حزن رافع وأسامة وأتراب (عمير) كلهم على مصرعه، وجلسوا يذكرون أيامه، ويتحدثون عن إيمانه وبطولته. .
قال رافع لأسامة:
- أتذكر يا أسامة ليلة أن التقينا به أمام المسجد!
- نعم وحدثنا حديث تلك الساعة المباركة في السحر التي أفاضت على روحه صفاء وجمالاً. . .
- أرأيت إلى ذلك النور الذي كان يلتمع في جبينه تلك الليلة؟ وأحسبك رأيت تلك الدمعة التي كانت تجول في عينيه. . .
- نعم وأحسب ذلك نور الشهادة، فقد كان ينم عما في قلب صاحبه من إيمان وتضحية وإقدام. وأما تلك الدمعة فقد رأيت فيها تلك الليلة معاني الوداع. . . الوداع من هذه الدنيا الصاخبة الحقيرة التي يتنازع فيها الناس على حطام فان، ويظلم بعضهم بعضاً، فيستعبد القوي الضعيف، ويتعالى الغني على الفقير.
- حق ما تقول يا أسامة! وهل نسيت موقفه حين ردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحداثة سننا يوم بدر. . .
- كيف وقد كان - رحمه الله - يدافع الحياة ويطلب الموت ويبكي حرقة على الجهاد، حتى رق له قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فأجازه.
- رحمه الله وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
وانصرف الفتيان إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم باستعداد قريش للحرب بعد تلك الهزيمة التي حاقت بهم في بدر، وحثهم على الصبر والشجاعة، وأنبأهم بأنه قد عزم على مناجزة القوم وقتالهم وبأنه واثق بنصر