اقرءوا هذه الكلمات التي تضع الحق في مكانه، ثم وازنوا بينها وبين كلمات أخرى يجترئ صاحبها على الحق حين يعلن أن الزيات قد ألف آلام فرتر. . . إن الفارق بين الرأيين هو الفارق بين دكتور جرمانوس وسلامة موسى!
وأنت يا من جرعتني الظمأ من كؤوس حرمانك، ترى هل رفت (من الأعماق) رفيف الزهر في رحابك، وتضوع منها عطر الأسى في ثراك؟ إن الماضي الذي تنهد يوماً في سحيق عظامي، يعود لتناديك أطيافه وتناجيك رؤاه!
أتذكر يوم غمست القلم في دماء القلب وكتبت قصة هواك؟ هواك الذي شيعته بالدمع إلى ظلام القبر، وذقت من بعده غربة الروح في مأتم الأحلام؟ ترى هل ذقت يا شقيق الروح غربة الروح. . هناك حيث ترق الكلمات فتستحيل إلى أنات، تهتك ستار الصبر والجلد، وتترك مكانها من حنايا الضلوع وشغاف القلب، وتخرج إلى الناس تروي لهم فعلت الأيام؟ هناك حيث تعبر النجوى عالم الأسى والأنين، مرتاعه ملتاعة، تنشد الري فلا تجد إلا الظمأ، وتترقب النشوة فلا تحس إلا الألم، ولا تعود من عالمها هذا إلا بأشتات المنى تحتضر؟!
إن فكري ليقطع المدى وثباً ليفرش طريقك بورود حبي. ترى هل يعبق في أفقك أرج فكري؟ إن روحي لترفرف فوق مكانك بجناح طوته على الجراح عوادي الزمن. . ترى هل تسمع رفرفة روحي؟ تعال نهتف في موكب الأيام هتاف الحبيب في كأس فاضت بخمر نواك. تعال نردد في محارب الشجن صلاة تنشج الحسرة فيها ويعول الأنين. تعال. . . تعال من هناك، من وراء الأبد، من وراء الصمت، من وراء الوحشة المطبقة، من وراء السكون العميق. تعال فقد تقطعت من بعدك أوتار النغم فما استمع الحيارى لنشيد. . تعال فقد جف من بعدك أوتار النغم فما سعد الندامى بحبيب!. . تعال وأحمل إلى السماء نفحة من عبقرية الألم في الأرض، وقل لها إننا نعيش من بعدك كما يعيش الشوق الراهب في دير الذكريات!