(عندما يستحيل الحلم إلى جنون، ينتصب تمثال أسو داخل الروح، وتبرز فجأة شطئان بلورية تطوف بها جماجم الأحياء، وتمتد تحتها في انحدار عنيف بحار متسعة من الجليد، وتستيقظ العطور والضحكات، وتتفتح الكهوف الخرافية بعدما تكون الكنوز قد ضاعت فتزدحم الغابات بنهود من نحاس، وتتصلب الشفاه وهي تبتسم، وتسمع أصوت الفيل آتية خلال النعاس، ويقف ظل أمام ظل، وتغادر الفلول الميدان، ويسمع في السراديب السحرية قرع الطبول، وتبدأ المعركة بين الأشلاء، من أجل الحصول على ذراع أو ساق!
ويحترق الهمس في الهدير، وتنداح دوائر في المياه، من مكان غير معروف، قاصدة في سفرها المرتعش المعتوه التقاء اللانهاية بالعدم).
هل تستطيع أن تفهم هذه الكلمات؟ إنها لأديب مصري اسمه يوسف الشاروني، دأب على أن يتحف بمثلها في كل شهر زميلتنا مجلة (الأديب) اللبنانية. . ويوسف الشاروني هذا واحد من فئة أعرف بعض أفرادها من لقائي لهم بين الطور والكلمات، هذا اللقاء الذي لا يخرج منه أي إنسان عاقل إلا بما حرجت به زوجة الشاعر الإنجليزي روبرت بروننج، حين قدم إليها الشاعر قصيدة نظمها في وصف البحيرة فقالت له: إنني لا أدري إذا كنت تتحدث في قصيدتك عن بحيرة حقاً أم تتحدث عن كلبنا الصغير!
وأنا والله لا أدري عن أي شيء يتحدث الأستاذ الشاروني. ولا أدري كيف اتسعت صفحات الزميلة اللبنانية لهذه البضاعة التي تصدر إليها من مصر، بعد أن أقفلت في وجهها جميع أسواق الأدب في عاصمة المعز! أباسم الأدب والفن يكتب هذا الكلام؟ إن الأدب والفن ما خلقا إلا لتثقيف الناس وهديهم إلى معاني الحق والخير والجمال، فأين من يدلني على لمحة واحدة من لمحات الأدب والفن في كلمات السيد يوسف الشاروني؟. . قد يقول قائل إنها (سمبولزم)، وقد يقول آخر إنها (سير ريالزم)، أما أنا فأحيي الأستاذ عباس محمود العقاد وأقول معه: إنها (تهجيص)!.
لحظات مع الأستاذ العقاد:
حييته هناك ولا بأس من أن أختلف معه هنا، ومهما اختلفت مع العقاد والناقد في نظرته وموازينه فستبقى حقيقة أعترف بها بيني وبين نفسي وبيني وبين الناس، وهي أنني أحترم