ثقافة هذا الرجل. إنه يقرأ كثيراً؛ يقرأ في كل شيء، يقرأ قراءة فهم وهضم واستيعاب، في بلد فيه عدد المثقفين وغمرت أسواقه أمية المتعلمين!
إن ذوق العقاد لا يرضيني بعض الأحيان، وكذلك موازينه؛ ولكن ثقافته ورحابة أفقه وسعة اطلاعه تدفعني إلى تقديره والإعجاب به. هذه كلمات يمليها عليَّ الضمير الأدبي، وإذا كنت قد هاجمت كثيراً من آرائه فإنني لا أبيح لقلمي أن يهاجم ثقافته!
لو أنك مقدم على رحلة عاجلة، فأي سبعة كتب تصطحب؟ هذا هو السؤال الذي وجهته إلى الأستاذ العقاد مجلة (الاثنين) في عددها الأخير فأجاب عنه بأنه يصطحب معه هذه الكتب السبعة: ديوان ابن الرومي، اللزوميات لأبي العلاء، تهافت الفلاسفة للغزالي، تراجم بلوتارك، مجموعة شكسبير، تاريخ الفلسفة لبرتراند رسل، خوالج الحيوان لداروين. ولقد تحدث الأستاذ العقاد عن هذه الكتب حديث ناقد يزن قيمها الفنية مشفوعة بأسباب التفضيل والإيثار.
أما ابن الرومي فأنا أعلم أن الأستاذ العقاد يتفانى في حبه وتقديره والتعصب له، ولكن حين يبلغ التعصب حد القول بأن ابن الرومي في مجال الشعر الوجداني لا يضارعه شاعر في العالم كله فهذا هو الانحراف الذي أضيق به ترى أيبلغ ابن الرومي في وصف الخوالج النفسية ما بلغه جيته وهابني في الأدب الألماني، وبودلير وفرلين في الأدب الفرنسي؟ لا أظن! لقد كنت أود أن يقتصر الأستاذ العقاد على القول بأن ابن الرومي في مجال الوصف التصويري لا يفوقه شاعر في العالم كله، فهذا ما لا أختلف معه فيه.
ومرة أخرى تتخلى الدقة عن ميزان الأستاذ العقاد حين يقرر أن (بلوتارك) هو سيد كتاب السير والتراجم في جميع العصور. . . أؤكد للأستاذ العقاد أنه لو قرأ كتاب الفيلسوف الفرنسي جان يول سارتر عن (بودلير) لعدل عن رأيه في بلوتارك؛ إن هذا الكتاب كما سبق أن قلت في (الرسالة) ليعد في رأى الفن خير كتاب أخرج في موضوعه، منذ أن احتل أدب التراجم مكانه إلى جانب الفنون الأدبية الأخرى!
بعد هذا لا أرى كيف يطيق الأستاذ العقاد أن يصطحب معه اللزوميات في رحلة ينشد فيها المرء متعة الذوق والفكر والخيال؟. . . معذرة يا سيدي إذا قلت لك إِن هذا الاختيار لا يرضيني! إن رحلة تخطر فيها اللزوميات لرحلة تصيب الرأس بالصداع وحركة الذهن