كليهما يستلهم الوحي من فيض الروح، ولما كانت نهضتنا الأدبية في وقتنا الحاضر قد سبقت النهضات الأخرى غير الأدبية بمراحل، وقد سلكت في سيرها الحي سبيل الجد في الإنشاء والتأليف والترجمة، ولما كانت الأمانة رائد المترجمين الموهوبين وهدفهم، صار لرام بحكم تطورنا أن يتجلى صبح الترجمة وأن يشرق نورها، وقد انجلى ذلك الصبح البهيج في أمور ثلاثة تستوقف النظر وتسترعي الانتباه.
الأول: القدرة على تقمص روح المترجم عنه والاندماج فيه
الثاني: الحرص على جو الزمان والمكان وحسن الاختيار.
الثالث: استيعاب فلسفة أن أتاجأأنالموضوع وإبراز شخصية المترجم.
وقد وضحت هذه الصفات الثلاث وتبدت في كتابين ظهراً حديثاً: الأول (فيرنا) للأستاذ على أدهم الكاتب الغني عن التعريف، والثاني (أقاصيص مأثورة) للأستاذ كامل البهنساوي بك القاضي بالحكمة المختلطة.
في كتاب الأستاذ أدهم خمس عشرة قصة تمثل الأدب الألماني والفرنسي والروسي والإيطالي والبولندي، منها المستمدة من صميم الحياة، ومنها القائمة على الأسطورة. وكذلك في الكتاب الثاني خمس عشرة قصة تمثل الأدب الذي اختاره الأول، منها ثلاث تمثيليات هي (فاوست) و (كارمن) و (البوهيمية) وقصة ملخصة تمثل الأدب البولندي قرأتها كلها بلذة المطالع، ورغبة الناقد، وحب الإفادة والتتبع، وقصد التعريف.
تمنيت لو عمد الأستاذ البهنساوي بك إلى النقل وأهمل التلخيص، ولكني , ان كنت أرضى بعض الرضى عن تلخيص التمثيليات الغنائية ولكني لا أرضى أبداً عن تلخيص قصة (حارس المنارة) ولا أقبل أي عذر يسوغ حذف صورة واحدة أو اقتضاب جملة واحدة من تلك القصة العظيمة لأنها بجملتها قائمة على التصوير الفني.
يجلس البهنساوي وأدهم على مائدة أدبية واحدة حافلة بأغذية دسمة متنوعة، إلا أن الأول جائع يتلقف لقمته بنهم ويبتلعها على عجلة. والثاني جائع أيضاً ولكنه يتناول طعامه بقدر وتمهل وأناقة بمضع ويزدرد ولا يعف عن المرق والتوابل (يرمرم وينقنق) وطبق على الحلوى والفاكهة، ويعب ويغب. . . ويجتر. وأنت ترى هذه المائدة ممدودة في كتابيهما عليها الكثير من ألوان وأنواع الأدب الشهية ما عدا الأدب السكسوني!!