ولروسيا صلة قديمة بعصبة الأمم وإن لم تكن من أعضائها، فقد اشتركت في لجنة نزع السلاح ومؤتمراته بصفة رسمية منذ سنة ١٩٢٥، وقدمت أليها عدة مشاريع لنزع السلاح كانت جميعها مثار البحث والمناقشة ولكنها رفضت جميعاً، وكانت السياسة الروسية خلال هذه الأعوام تثار على خصومتها لعصبة الأمم وعلى الطعن فيها وفي نزاهة مقاصدها، وتتخذ من فشل مؤتمر نزع السلاح دليلاً على نفاق الدولة الغربية وتمسكها بسياسة الحرب السوفيتية. أما اليوم فأن روسيا لا تأتي التفاهم مع الدول الغربية والاندماج في عصبة جنيف. ووراء هذا التطور الخطير في سياسة البلاشفة عاملان جوهريان: الأول حوادث الشرق الأقصى، والثاني موقف الدول الغربية من روسيا السوفيتية، فأما من الشرق الأقصى حيث تسيطر روسيا على أراض ومصالح عظيمة، فقد نشط الاستعمار الياباني في الأيام الأخيرة نشاطاً عظيماً وأنتزع إقليم منشوريا من الصين، ولم تحفل اليابان باحتجاج الدول الغربية أو تدخل عصبة الأمم، وآثرت أن تنسحب من العصبة لكي تكون مطلقة اليدين في تنفيذ برنامجها الاستعماري، ولم تحجم عن أن تصرح بأنها تعتبر الصين ميدان نشاطها وتوسعها دون غيرها من دول الغرب، وإنها ستقاوم كل محاولة جديدة تقوم بها الدول الغربية لتوسيع نفوذها أو مصالحها في الصين، ولما كانت روسيا تجاوز اليابان في الشرق الأقصى في أكثر من منطقة، فأن هذه السياسة اليابانية الجديدة التي تؤازرها عسكرية قوية تهدد أملاكها ومصالحها أعظم تهديد، وروسيا تريد من أجل ذلك أن تصفي خصومتها مع الدول الغربية لكي تستطيع أن تتفرغ لمقاومة هذا الخطر. وأما عن موقف الدول الغربية إزاء روسيا السوفيتية، فأن هذه الدول قد نبذت خصومتها المطلقة القديمة لروسيا بعد ما اقتنعت بأنه يستحيل عليها أن تسحق الثورة البلشفية، وبعد ما تطورت البلشفية ذاتها وتركت كثيراً من تطرفها القديم وآثرت جانب الاعتدال، أصبحت روسيا تميل إلى العودة إلى حظيرة أوربا القديمة والتفاهم مع الدول الغربية و! عطاء بعض الضمانات السياسية والاقتصادية، وقد كانت السياسة الفرنسية روح هذه التطور كما بينا لأن فرنسا أشد الدول اهتماماً باكتساب تلك القوة العظيمة في شرق أوروبا، لتعود كما كانت قبل الحرب مصدراً للخطر على ألمانيا يزعجها ويشغلها.