للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في أثناء إخراجه)!. . . يريد نيشته أن يقول لفاجنر إنك أظهرت نحوي كثيراً من الاهتمام والعطف بمناسبة أول كتاب ألفته، وإني لآمل أن يجزيك إهداؤه إليك أجر ما أظهرت من كريم العاطفة نحو مؤلفه! ولكن الأستاذ فهمي يريد أن (يجبر) نيتشه على القول بأن كتابه مدين بخلقه لفاجنر!

هذه ملاحظة على هامش المشكلة نعود بعدها إلى جوهر المشكلة. . . هل يعلم الأستاذ فهمي في أية سن اتصل نيتشه بفاجنار، وفي أية سن بعث إليه بهذه الرسالة المرفقة بكتابه الذي أهداه إليه؟ لو علم لبحث عن دليل آخر غير هذا الدليل المتهافت الذي أورده في كثير من الزهو والثقة والاعتداد! لقد اتصل نيتشه بفاجنر في سن الخامسة والعشرون، وألف كتابه الأول وأهداه إليه في سن الثامنة والعشرون، وفي هذا الوقت كان فاجنر في سن التاسعة والخمسين من عمره. . . شاب ناشئ يخطو أول خطوة في طريق مجد يتطلع إليه، وشيخ قطع طريق المجد كله حتى بلغ منتهاه. وهنا نرفع معول التدمير لنهوى به في (رفق) على الدليل الفذ الذي يزهي به الأستاذ فهمي ويعتد! شاب ناشئ يتعلق أستاذاً في الموسيقى طبقت شهرته الآفاق ليمهد له طريق الشهرة والظهور، ولابد - شأن كل ناشئ يعيش في رحاب أستاذ كبير - من التملق والمجاملة في سبيل الوصول إلى تحقيق أمانيه. . . هذه هي الحقيقة التي يقررها الواقع ويقررها رومان رولان في كتابه ' (ص ٦٣) ولعل الأستاذ يوافقني على أن كلمات يمليها، التملق في السن المبكرة، غير كلمات يمليها الإيمان والثقة والفكر الناضج في السن المتأخرة! يقول نيتشه لفاجنر في سن الثامنة والعشرين: إنك موسيقي عظيم أشعر بزهو لا يحد حين يقترن اسمي باسمه إلى الأبد، ويقول له في سن الخمسين: إنك رجل منحل، متلف هدام، لا تهز بموسيقاك المريضة إلا أعصاب النساء. . . بأي القولين نثق وبأي القولين نؤمن؟. أيقول الفتى الناشئ المتملق الذي لا تعنيه سنه على وزن الفن بميزان الملكة الناضجة، أم بقول الفيلسوف العبقري الذي نطق بكلماته الأخيرة في وقت كان يطلق عليه فيه سيد المفكرين؟. . . إننا نهمل كلمات المجاملة التي نطق بها الفتى الناشئ ليصل عن طريقها إلى مجد يتطلع إليه؛ نهملها ولا نقيم لها وزناً على الإطلاق، ولا نثق إلا بتلك الكلمات الأخرى التي نطق بها الفيلسوف العظيم في أوج نضجة الفكري واستقامة موازينه وفهمه لحقائق الأمور، نثق بها لأن نيتشه

<<  <  ج:
ص:  >  >>