للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول لنا بصراحة: (إن رأيي الأول في فاجنر قد غيرته السن، أما رأيي الأخير فلن تغيره الأيام) نفس المصدر ' (ص٦٨). . . إن بعض الآيات في القرآن الكريم يا أستاذ قد نسخت أحكامها أحكام آيات أخرى، فلم لا تنسخ أحكام نيتشه الأخيرة أحكامه الأولى، وتلغيها، وتدفع بها إلى زوايا الإهمال والنسيان؟!

من هنا يا أستاذ فهمي أصدرت حكمي على هذا الرأي الذي نادى به صديقك ووافقته أنت عليه، حين يقول إن موسيقى فاجتر قد فتقت أكمام العبقرية في نيتشه! لقد ولد نيتشه يا صديقي وفي دمه بذور عبقرية موهوبة، ولو قدر له ألا يرى فاجتر لما تبخرت من نبغ فكره المحلق قطره واحدة من قطرات عبقريته، وكل من يقول بغير هذا الرأي إنسان لا يحترم عقله. . . متى كان إعجاب رجل بآخر ومديحه له دليلاً على تفتيق أكمام العبقرية فيه؟! إننا نستطيع أن نفرض المستحيل، والمستحيل الذي نفرضه لنمضي مع الأستاذ فهمي إلى نهاية الشوط، هو أن نيتشه قد أعجب بفاجنر وأن هذا الإعجاب قد ترتب عليه خلقه لعبقريته. إذا فرضنا هذا وحلقنا في أفق الشعراء والتقطنا النجوم ونثرناها درراً من الكلام، وخرجنا من هذه الدرر بهذه الحقيقة الفذة، فإننا نستطيع أيضاً بهذا الميزان الذي يقام على أجنحة الخيال أن نقول إن موسيقى بيتهوفن قد فتقت أكمام العبقرية في جتيه! ألم يكن جيته يعجب بموسيقى بيتهوفن، ويقدسها، ويعدل بها موسيقى فنان آخر؟ لا بأس على الإطلاق من أن نعلن على الملأ هذه الحقيقة التي تذوب خجلاً من روعة هذا القياس!

بقي أن نرفع معول التدمير مرة أخرى لنهوى به في (رفق) على آخر دليل أورده الأستاذ فهمي، وهو أن نيتشه قد صب نقمته على فاجنر حين أقصاه هذا عن بيته وقطع صلته الغرامية بزوجته، يصدق الأستاذ فهمي هذا الفرض الذي نقل إليه، فلم لا يصدق هذا الفرض الآخر الذي يمكن أن يقال له، وهو أن نيتشه لم يخلع على فاجنر أثواب المديح والإطراء إلا بفضل علاقته الغرامية السابقة بزوجته؟!. . . ترى أكان نيتشه حين رمي فلسفة شوبنهاور بالزيف والخواء، ترى أكان متصلاً بزوجته أيضاً ثم قطعت هذه الصلة يا أستاذ فهمي؟ حنانيك يا موزاين النقد!

بقي شيء يفرض عليّ الموقف أن أثبته في ختام هذه الكلمة، وهو أنني أشكر للأستاذ عبد الرحمن الخميسي رحابة صدره في تقبل نقدي له. . . الحق أنه أدهشني بهذه الروح

<<  <  ج:
ص:  >  >>