الجنيهات، تضاف إليها ثلاثة ملايين جنيه للتعليم الجامعي، أي أن واحداً وعشرين مليوناً من الجنيهات تنفق في العام الواحد في نشر نور العلم ومحاربة الجهل في مصر. وقد تدهشون إذا عرفتم أن إيرادات المصروفات المدرسية لا تواجه من هذا المبلغ الضخم غير ثمانمائة ألف جنيه. .).
ومعنى ذلك أن الدولة تنفق على التعليم نحو ٢٦ % مثلا لما تحصله من التلاميذ، وأنت قد تريد الذهاب إلى حلوان مثلاً، فيقدم لك العامل في (شباك التذاكر) ورقة تبرع لإحدى الجمعيات الخيرية بقرش، وإذا ناقشته قال لك: من يدفع ستة قروش لا يكثر عليه قرش! فهل نقول للدولة كذلك: إن ثمانمائة ألف جنيه ليست شيئاً إلى جانب واحد وعشرين مليوناً من الجنيهات؟
والأمر أهون من ذلك، فإن وزارة المعارف تبذل جهوداً وتنفق أموالاً بسبب تنظيم المصروفات المدرسية، فهناك بحث حالات المجانية ونصف المجانية ومن لا يستحق المجانية، وتتفرع من ذلك أعمال كثيرة يقوم بها موظفون ينظرون في أعمار التلاميذ ونسب نجاحهم، وفي إحصاء أبناء المدرسين والصحفيين والضباط وفحص حالاتهم لتبين من يستحق نصف المجانية منهم، وفيمن لديه ولدان ينفق عليهما في إحدى المدارس الثانوية وما يعادها فيعفى بقية أولاده، ومن لديه ولد واحد إذا كان مدرساً وفيمن أخنى عليهم الدهر. . . إلى غير ذلك من التحصيل والرصد وكتابة (الاستمارات) وإعداد الميزانية، مما يخصص له موظفون يتناولون مرتبات ويطالبون بتطبيق (الكادرات).
ولا بد أن كل ذلك يستنفد بعض ثمانمائة ألف الجنيه؛ وما يبقى بعد ذلك، ولنفرض أنه نصف مليون جنيه، يصدع رأس الدولة بالشكاوي، ويشغل وقت الرؤساء والنواب والشيوخ وغيرهم من ذوي الجاه بالوساطات والشفاعات، ويشغل بال المعوزين من آباء التلاميذ ويربك حياتهم ويتحيف مستوى معيشتهم، وقد يحملهم على بذل ماء الوجوه في التوسل والرجاء، ولا يخفى أن الأولاد تنطبع في أذهانهم صور من ذلك تخل بمعيار النظر الصحيح إلى الأمور.
نصف مليون جنيه. . . استغنوا عنه وضموه إلى الواحد والعشرين. وأريحوا أنفسكم أريحوا الناس. . .