الطعام. كانت الصغيرتان الزرقاوان تتخافتان، والكناري يغرد قائلاً - أوه، انظروا إلى النهم الشره الكبير، أنه يلتهم كل (الباركت).
كان ذلك النهم الشره الكبير - في الواقع قد ألتهم كل ما على المائدة من طعام دون أن يشعر بذلك. فقد كنت غارقاً في تأمل الحجرة الهادئة المشرقة، وما يفوح منها من أريج الذكريات.
ووقعت عيناي على فراشين صغيرين، يكادان يشبهان المهد. وتخيلتهما عند الفجر، وما زالت ستائرهما المزركشة الحواشي منسدلة، والساعة تدق ثلاثاً، وقت استيقاظ الكهلين. وسمعتهما يتبادلان الحديث:
- أنائمة أنت يا (ماماه)؟
- كلا يا عزيزي.
- أليس موريس شاباً وسيما؟
- أجل، أنه شاب وسيم، وسيم.
نعم كان مدار حديثهما كله عن موريس. لاشيء غير موريس. من الصباح المبكر إلى المساء الندي!
وبينما كنت غارقاً في تأملاتي، إذ بمأساة تجري فصولها في طرف الحجرة. كان الكهل واقفاً على مقعد، يجاهد جهاد الأبطال ليصل إلى قارورة من الشراب المحفوظ، قائمة على قمة الضوان، لم تمسها يد منذ عشر سنوات، بل ظلت تنتظر عودة موريس. وأخذت زوجه تثنيه عن القيام بهذه المحاولة، ولكن الجد كان قد وطد العزم على الحصول عليها وفتحها تكريماً لضيفه. وكان يجاهد بكل عصب من أعصابه، وعضلة من عضلاته، والصغيران ممسكان بالمقعد، والسيدة الكهلة تنتظر في خوف ورعدة وقد ترددت أنفاسها، وذراعاها ممتدتان لتنقذ البطل عند الضرورة، وأخيراً، وبعد مجهود فائق، نال الكهل مكافأته، ودفع بالقارورة إلى الجدة وقد أشرق وجهها. وهبت رائحة البرغموت الشذية من الملبوسات داخل الضوان.
واستحضروا قدح موريس الفضي وامتلأ بالشراب حتى حافته. نعم، كان موريس يعشق هذا الشراب. وهمس الجد وهو يناولني القدح وقد سال لعابه في تلذذ ابيقوري - أنت