مجدود، فإنك لا تحصل على مثل هذا الشراب في الطاحونة إن جدته تحفظه له. ومها كانت الجدة خبيرة في حفظ الشراب، فإنها فشلت هذه المرة، فقد نسيت أن تحليه بالسكر. على أية حال، يجب أن نتغاضى عن شرود ذهن الكهول. ووقفت لهذه المناسبة، وصررت على أسناني، ثم جرعت الشراب دون أن تطرف عيني. وهمست في انفراد بيني وبين نفسي - سيدتي أن شرابك فظيع!
وعندما قمت أستأذن في الانصراف، ألح علي الكهلان أن أستمر في سرد حقيقة قصة ذلك المثال الكامل، ولكن الوقت كان قد أزف للرحيل بعد أن خبا الضوء، لا سيما وأن الطاحونة (على بعد عشرة أميال ليس إلا!).
وهب الكهل واقفاً وهو يقول - معطفي يا (ماماه) من فضلك. يجب أن أرافقه إلى ما بعد الميدان.
وأشارت (ماماه) إلى برودة نسيم الليل، ولكنها لم تثبط نزوة الكهل. وبينما كانت تساعده على ارتداء معطفه الأسباني المزين بالأزرار الصدفية، وقد انتشرت عليه بقع السعوط، إذ قالت له - والآن يا عزيزي، عدني وعداً مخلصاً، إلا تتأخر طويلا
فأجاب الكهل، منتصراً، في لهجة تدل على أنه لن يأتي الدار قبل الصباح - نعم! كلا! ربما أتأخر، وربما لا أتأخر - لا أعرف! ولا أبالي! - لا تنتظري يا عزيزتي، فمعي المفتاح.
ونظر كل منهما في عيني الآخر، ثم انفجرا ضاحكين حتى سالت دموعهما. وضحكت معهما الصغيرتان الزرقاوان. وشاركهم الكناري يغرد مع مرحهم. وإني أعتقد بيني وبينكم - أن الشراب قد أخذ برأسيهما وجعلها في نشوة.
كان الظلام يخيم رويداً رويداً، عندما غادرت الدار يرافقني الجد. وكان الرجل يسير في زهو واعتداد في ذلك المساء خلال القرية، وقد أشتبك ذراعه بذراع صديق موريس. فكيف يشعر بحارسته الصغيرة الزرقاء وهي تتبعه عن بعد حتى تعود به إلى داره؟ وكانت الجدة واقفة على مدخل الدار تراقبنا، وقد أسرق وجهها، وهي تقول - أترى؟ أن رجلي لا يزال قادراً على المشي!