جوارحها. فالحب الحقيقي الكامل هو الفيلسوف يزدري الجمال الزائل الذي يملأ النفس جنوناً ليتعلق بالجمال الدائم)
وبعد فذلك تأمل أفلاطون، فلسفة تمتزج بالوجدان: فيها تطلع إلى الجمال، فيها حنين إلى عوالم مبتغاة، فيها ذكريات وحب وأمل نبيل. ولا عجب فقد زاول أفلاطون الشعر في شبابه ثم صرفه عنه أستاذه سقراط.
وهذا برجسون في العصر الحديث يتميز أسلوبه بطابع رقة وروح فنية تتبدى في منهجه الفلسفي الذي يسلكه في الوصول إلى الحقيقة، مقابلاً به منهج الاستدلال العقلي الذي يشوه الواقع ولا يزودنا منه إلا بوجهة نظر سطحية تجريدية؛ ذلك هو منهج الحدس أو الذوق كما يحلو للبعض أن يسميه. ويعرفه برجسون بأنه نوع من التعاطف العقلي يتعمق المرء بواسطته كنه الأمور وجوهرها.
وابن سينا - الشيخ الرئيس - يصوغ نظريته في النفس وخلودها وسبق وجودها على الجسد في قصيدته العينية المشهورة التي يبين فيها كيف هبطت النفس إلى الجسد من عالم آخر على الرغم منها، وكيف سجنت في ذلك الجسد وكيف تسعى إلى التحرر منه، والعودة ثانية إلى العالم النائي، عالم الروح الخالد.
هبطت إليك من المحل الأرفع ... ورقاء ذات تمنع وترفع
محجوبة عن كل مقلة ناظر ... وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربما ... كرهت فراقك وهي ذات توجع
إن كان أهبطها الإله لحكمة ... طويت من الفذ اللبيب الأروع
فهبوطها لاشك ضربة لازب ... لتكون سامعة لما لم تسمع
وتعود عالمة بكل خفية ... في العالمين فخرقها لم يرقع
ذلك شعر وخيال، ومع ذلك فقد كان الشيخ الرئيس فيلسوفاً لأنه يأبى إلا أن يبرهن على روحانية النفس وجوهريتها وخلودها برهنة منطقية.
أما محي الدين بن عربي، زعيم التصوف المذهبي في الإسلام فيتصوغ جل مذهبه قصائد شعرية، زاخر بحر الوجدان مشبوب العاطفة، يعبر عن نظرية وحدة الوجود التي ترى الكون والله كائناً واحداً لا وجودين منفصلين، وترى كل موجود مظهراً من مظاهر الله أو