أدين بدين الحب أنى توجهت ... ركائبه فالحب ديني وإيماني
وبعد فلست أريد أن أقحم نفسي في الأدب فأتمثل بشعر أبي العلاء المعري أو رباعيات عمر الخيام أو أناشيد طاغور الصوفية لأبين بغض ما تنطوي عليه من فلسفة عميقة تكسب شعر هؤلاء رصانة وتزيده رونقاً وبهاء. إنما أريد أن أخلص إلى أن النشاط الفكري تيار معقد متشابك متعدد الاتجاهات، وهو مع ذلك تيار دائب الحركة مستديم الفوران. فالعقل منذ نشأته، يحاول معرفة الواقع كما هو. وإرجاع المعلول إلى علته أو كشف الستر عن غايته. فإن كان الإنسان طفلاً في بداوة الفكر وطراوة الذهن فالخيال مزود إياه بتفسيرات لا أساس لها من الصحة، والإيمان مثبت لتلك التفسيرات لا لشيء إلا لأنها تصادف هوى في نفسه، فلا يصبح - وقد آمن - في حاجة إلى البحث عن دليل أو برهان. وما الداعي إليهما وقد اطمأن قلبه إلى ما وصل إليه من تفسير. ألا ترى إلى المصري القديم مطمئناً كل الاطمئنان إلى خلوده؟ لا خلود روحه فحسب، بل خلود جسده أيضاً؟ واثقاً من البعث حيث يلقى جزاء ما كسب وحساب ما اكتسب؟ حيث يستمتع بما استمتع به في هذه الحياة من نعيم، بل حيث يرى العوض عما حرم منه فيها من سراء؟!
ما سر يقينه ذلك الذي لا يقبل الشك؟! رغبة في الخلود قابعة في كل نفس، وسعي خفي إلى اللذة الكبرى التي تقصر عنها حياة الأرض القصيرة الغاصة بالمتاعب والآلام. رغبة محتدمة، وهوى مستبد، وطموح متطلع إلى المجهول، تسخر جميعها المطية الذلول، الخيال، ليفسر الكون ويكشف عن سر الوجود. بيد أنه عندما تكثر المعارف الواقعية وتبدو الحقائق الخافية، ويكتشف الإنسان وهمه فضلاً عن جهله، لا يجد مناصاً من مواجهة الواقع، والسعي إلى رد المعلولات إلى العلل، ونسبة المسببات إلى السبب؛ تارة في تحرر نهائي من الأهواء وتنحية للخيال، وتارة في تحرر جزئي منها دون تملك تام لناصية الأمور. إن فعل المرء ذلك قيل أنه عالم أو فيلسوف: عالم إن اكتفى بتقرير الواقع وإرجاع