عساكر إريتريا فنسمع أزيز المصابين كما نسمع أصوات الفيران التي أخذت في المصيدة.
ويقول الطليان أن السيد العابد هو المسؤول عن مجزرة سبها إذ انتقل سراً من الكفرة إلى واحة واو الكبيرة واتخذها مركزاً للدعاية وبعث منها بداعيته مهدي السني الذي دخل وادي الزلاف وهناك دعا الناس إليه وحرض المقاتلين على مهاجمة الحصن حتى إذا نجحوا كان على رأس الغنائم وإذا فشلوا عاد إلى سيده بواو. ولما دخلوا الحصن واستولوا عليه فأصبح طريق فزان مفتوحاً أمامهم.
٢٧ - وما كاد يصل خبر الكارثة إلى السلطات الإيطالية حتى تيقنت بحلول الخطر على حاميتها الموزعة في فزان، فبعثت بسيارات وصلت إلى مرزوق في ليل ديسمبر سنة ١٩١٤ حملت الضباط والجنود الأوربيين وتركت الحمايات المكونة من عساكر المستعمرات تتلقى بصدورها رصاص الثوار وهي التي تولى قيادتها جاويش عربي من متطوعي الفرق اليمنية اسمه محمد بن عبد الله من قبيلة بني حبيش.
ولا شك في أن تصرف السلطات العسكرية الإيطالية على هذا النحو كان مدعاة لسقوط هيبة إيطالية في الصحراء مدة من الزمن ولم تسترجعها إلا بعد مضي سنوات طويلة.
٢٨ - ولا بد أن نذكر شيئاً عن هذا اليمني المتطوع في صفوف الإيطاليين فهو قد بدأ خدمته في الصومال الإيطالي ضمن الجنود الذين اعتادت الحكومة الإيطالية تجنيدهم من عرب اليمن رغم أن هذا الجزء من أملاك الدولة العثمانية. وقد أظهر هذا اليمني تفانياً في خدمة إيطاليا إذ توجه في يوم ٧ ديسمبر سنة ١٩١٤ إلى منزل الضباط بمدينة مرزوق فوجده خالياً فجزم بانسحابهم فقرر في نفسه أن يأخذ مكانهم، وعاد إلى القلعة وأعلم الحامية بأن الطليان قد ذهبوا إلى الشمال في صدد تلقي أوامر جديدة صادرة إليهم بمداومة القتال وسيعودون ومعهم الإمدادات. وهكذا صمد هذا اليمني على رأس القوة المحاصرة بالقلعة مدة ١٦ يوماً أمام الثوار المحيطين به حتى اتصل بعض هؤلاء برجال الحامية وقرروا التسليم. وتذهب الرواية الإيطالية إلى أنه أخذ العلم الإيطالي الذي كان يرفرف على القلعة وعاد به إلى منزله حيث أحرقه أمام زوجته.
٢٩ - ولما وقع أسيراً أراد السنوسيون أن يستفيدوا من خبرته في تدريب المقاتلين وتهيئتهم للحرب على طريقة الجيوش الإيطالية فأبى: وعُدّ إباؤه من مفاخره.