على جبين الوطن فينعكس على صفحات التأريخ فخراً تنحني له هامة الزمن، وتخضع أعناق الجبابرة. . .
وحين سللت سيفك زها وأشرق تاريخ الوطن، وثارت حميته، وتأججت كبرياؤه، وتألقت فيه روح الحرية. وحين قذفت في الميدان بالحديد والنار، ارتد العدو على أدبارهم خاسرين، وانهزموا أمام عزمك صاغرين، وفزع كل ذي طمع، وذعر كل ذي مأرب. وحين أصررت وتقدمت في الشجاعة، وصبرت في إيمان - حينذاك - انطوى العالم بين جناحيك في ذلة وصغار، وصمتت السن كانت لولاك سليطة بالباطل، جريئة على الحق. فدعني - يا سيدس - أجثو أمامك في خشوع، وأنحني لك في احترام، لأنك رجل حرب لا تعرف إلا الفوز في المعركة أو الموت!
هذا أنت - يا سيدي - في نفسي، أما هذه المعركة القلبية، فأنت إن ظفرت بها خسرت هدوء قلبك وراحة نفسك. غداً يجذبك عملك الشريف عن دارك فتذر زوجك وحدها، فتذهب وما في خيالك سوى خاطرة واحدة، فأنت ما تبرح ترى بعيني قلبك شبحاً يضطرب حول دارك يوشك أن يلجها في غيبتك. سيثور بك الشك، وتلتهمك الريبة، وتصفعك الغيرة، فتعيش في غيرة قاتلة تصرفك عن الواجب المقدس. فدع الفتاة تنطلق إلى فتاها، في الأرض مراغم كثيرة وسعة.
ستقول: هذه فتاة عاقلة متعلمة تقضي حق الزوج وترعى واجبها، وهي من بيت راسخ الأرومة طيب الجرثومة، يتدفق في عروقه دم الشرف والأباء منذ الجد الأول. ولكن هل لها غير قلب امرأة وعاطفة الأنثى وروح الإنسان؟ ستخلو حيناً إلى نفسها تحدثها حديثاً طويلاً لو اطلعت عليه لوجدت مس الفزع والرعب في نفسك. . . فدع الفتاة تنطلق إلى فتاها. . .
وإذا انكشفت القصة كلها أمام الأب فرأى نوازع قلب ابنته سافرة واضحة، فإن تجاربه ستدفعه حتماً إلى أن يتلمس لها السعادة التي تريد، وسيضن لها أن تقضي عمرها في مضطرب من الأفكار يعصف بها اليأس ويقصمها الأسى!
وفي رسالة الأستاذ محمد أحمد شكم المدرس بمدرسة سعيد الأول بالإسكندرية رأى يشبه رأي الأديب الأشعري.