للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن في رأي صديقي الأستاذ عباس خضر المنشور في العدد ٨٢٠ من (الرسالة) حلاً سايكلوجياً عجيباً، فهو يرى (أن يبتعد عادل قليلاً ويترك المعركة تدور بين كرامة جلال - ولا بد أن يستشعرها مع الزمن والتكرار - وبين فتور إلهام وإعراضها عنه، ويبعث عادل بالمدد إلى قلبها من بعيد، وسترى الأم سوء حال أبنتها فتشفق عليها وتتحول إلى جانب عادل فتكون عاملاً مهماً في إنهاء الموقف، بحيث يرى الضابط ضرورة فوز كرامته في المعركة بالانسحاب. . .)

هذا رأي العاطفة والقلب، أما أصحاب الرأي الثاني، رأي العقل والمنطق، ففي مقدمتهم الأديبة الآنسة سلوى الحوماني، ففي رسالتها يتحدث عقل المرأة وقلبها في وقت معاً، فكلاهما ثائر هادئ، يطعن في هوادة ويصفع في رفق، وهي قد استهلت رسالتها بقولها: وإني أشكر كاتب قصة (من الأعماق)، لأنه أتاح لي فرصة أخوض بها غمار هذا الموضوع وهو من صميم الحياة. إن الفتاة لتجد حرجاً كبيراً في أن تتحدث - علانية وفي صراحة - في مثل هذا الموضوع، لأنها تشعر في قرارها بالرجعية العقلية تدفعها عن هذا المضمار؛ وهي حين تتنحى عن إبداء الرأي ترتكب خطأين: الأول، أنها تذر الموضوع يفقد نصف الحياة حين يفقد نصف الرأي. والثاني، أنها تفر من ميدان الحياة وهو ميدانها.

ثم تتدفق بعد ذلك تقول:. . . ويجب أن ينسحب عادل من هذا الميدان، فهو يغالط نفسه حينما يزعم أنه يحب الفتاة حب قلب وعاطفة وتضحية، وهو لو صدق لما انقطع عن زيارتها سنة كاملة، لأن (أباها نهاها عن أن تدخل حجرة فيها الأستاذ عادل، إلا أن يؤذن لها).

هذا - ولا ريب - سبب تافه ضئيل لا يستطيع أن ينهض عذراً لمن يحب فينطوي سنة كاملة عن من أحب. لقد أراد أن يثأر لكرامة خدشت - كزعمه - فهل عجز عن أن يلقى فتاته خفية وفي مأمن من الرقيب، أو قعد عن أن يرسل إليها رسولاً يحدثها حديث قلبه وينشر عليها ذات نفسه، وهو رجل ذو حيلة ورأي؟ لقد كان يستطيع أن يفعل لو أراد، فإذا ضاقت به الحيلة أو خانه الرأي، انطلق إلى أبيها في غير وناء ولا تريث يكشف أمامه رغبة قلبه وأمل حياته، أو طار إلى أبيه هو يخبره الخبر كله، ولكنه لم يفعل شيئاً، بل وقف على حيد الطريق ينظر إلى الركب وهو يسير، ثم يزعم - بعد ذلك - أنه يحب فتاته

<<  <  ج:
ص:  >  >>