والفتاة أيضاً كاذبة فيما تزعم، فهي تتصنع لفتاها وما بها إلا التصنع، ولو أنها أحست له حباً صادقاً لما وافقت - بادئ الرأي - على أن تتزوج من جلال، ولاستطاعت أن تجد التعلات والأسباب لترفض أو تؤجل، ولما قالت لعادل تعتذر:(وخفت أن أطرد خطيبي فأتخلف عن الركب، وإن شبح ابنة عمي ليضطرب في ناظري كلما ذكرت الخطبة والزواج، فهي قد تأبت حيناً على الزوج أنفة منها وصلفاً. وهي الآن قد أشرفت على الأربعين ولما تجده، لقد فاتها الركب، وتخلفت عن القافلة).
هذا حديث خلو من الروحانية القلبية، لا يحمل عاطفة، ولا ينبض بإحساس.
هذا النوع من الحب فيه فورة الشباب وجموح العاطفة فحسب، والحب في أي صورة من صورة لا يصح أن يكون أساساً للسعادة الزوجية، لأنه ضعف عقلي يسيطر على الفتى والفتاة في سن الطيش والاندفاع، فيتمثل لهما صوراً أخاذة وأضواء خلابة تخطف البصر وتخلب اللب.
ولا عجب، فإن بناء أساسه هذا الضعيف يوشك أن ينهار!
وأخيراً، إن فتاة في الثامنة عشرة من سني حياتها لا تستطيع أن تختار فتاها اختياراً فيه الرأي والعقل والتجربة.
لقد اختار أبوها، اختار برأيه وتجاربه وأبوته، وهي ألقت السلم لرأي أبيها - بادئ ذي بدئ - فلو أن عادلاً ظل منزوياً لأصبحت إلهام زوجاً لجلال لا تلقي بالاً إلى من زعمت إنها تحبه.
والآن، كيف يخول عادل لنفسه أن يقتحم باب الفتاة ليغريها بأمر، وكيف تطاوعه هي، وهي توشك أن تكون زوجاً وربة دار، فليستشعر عادل رجولته وإنسانيته، ويذر العش ترفرف عليه أجنحة السعادة والطمأنينة. . .
وكتب الأديب صبري علوان بجامعة فؤاد ما يأتي:
إن القصة التي ذكرت - يا سيدي - هي قصة صديق لي هو في نفسي أخ، وفي قلبي حبيب. وهو رجل فيه الرجولة والإنسانية، وفيه القوة والفتوة، فيه العلم والأدب، وفيه الرقة والظرف، وهو موظف حكومي لا يملك غير راتبه، وموظف الحكومة الآن رجل فقير لا