كامل الصيرفي من القلة الثائرين على تلك الأوضاع المتكلفة المقيتة، الذين يؤثرون النظم عندما تتحرك عواطفهم وتجيش نفوسهم وتستعد لاستقبال (الوحي) الفني، ولو كان ما ينضمونه في قطعة بكاء أو صخرة جرداء!!. . وعرفت الصيرفي في طليعة المعنيين بمتابعة الحركة الشعرة في مختلف الأقطار العربية، بل وفي بلاد المهجر، فكان يواصل الكتابة ناقداً ومقدماً ومعقباً على النتاج الشعري والأدبي والفني في بلاد المهجر وبلاد العروبة على اختلافها، وتولى في غير من تعريف الأدباء المصريين برصفائهم في المهاجر الأمريكية وفي الأقطار العربية الأخرى، في زمن قلت فيه الصلات والروابط فيما بينها. ولعل شاعرنا قد شغف حباً بأدب المهجر، ولعل نفسه انجذبت إلى تلك الينابيع المتحررة في المهاجر فتاقت إلى انعتاق فني مماثل. .!! ومن هنا تلاقت روحه بأرواح أولئك المجددين عبر الأطلنطي، وامتزجت بها في انسجام رائع أنتج لنا تلك الأشعار (الصيرفية) التأملية الصوفية ذات الموسيقى المنغومة والألفاظ الرقيقة المضيئة!!. .
ذلك هو الصيرفي الشاعر كما عرفته منذ ستة عشر عاماً، وازدادت معرفتي به توثقاً بما كان ينظم وينشر من دواوين حافلة، إلى أن تفضل فأسعدني بديوانه الجديد (الشروق). فهل تغير الصيرفي أو حاد عن الاتجاهات التي جعلها قبلته، أو آمن بشعر المناسبات، أو عزف على أوتار أخرى كانت غريبة عنه في ذلك الشباب الباكر؟ أشهد لقد طالعت ديوان الصيرفي الجديد فمثلت حيالي في كل قصيدة، بل وفي كل بيت من قصيدة، تلك العناصر التي امتاز بها شعره الباكر، وإن كانت الأيام والتجارب قد مكنت لتلك العناصر وأبرزتها في أقوى صورة وأنصع ديباجة.
دافع الشاعر في قصيدته الأولى عن الشعر ووجه الخطاب فيها إلى أولئك الذين يقولون إن الشعر لم يعد من مستلزمات هذا العصر)، ولقد ذكرت، وأنا أطالع هذه القصيدة الرائعة، دفاع الشاعر الإنكليزي ب. ب شيللي عن الشعر، وأشهد أن قصيدة الصيرفي قد هزتني وحركت شجوني؛ وأعتقد أنها قصيدة بارعة رائعة، ولقد أعجبت غاية الإعجاب بقوله:
فيوم نُفارق الدنيا ... وتلك قصيدة الله
سنغرق في صداه العذْ ... بِ بين ضيائه الزاهي
وهنا يلخص الشاعر الكون كله ويختصره ويعتبر نهايته (القصيدة الكبرى) قصيدة الشاعر