قيل كان العباس بن الأحنف إذا سمع هذا الشعر تترنح منه الأعطاف، وكاد لفرط إعجابه به ينصح برأسه العمود. فقد تعتقه أبن الدمينة بلا خمر.
وأبو فراس أي عصر لا يفتح له صدره وقصائده من بنات كل عصر:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر ... أما للهوى نهي عليك ولا أمر
وماذا تقول في شعر المنازي يوم فزع إلى الوادي الظليل هرباً من الحر.
نزلنا دوحة فحنا علينا ... حنوَ المرضعات على الفطيم
تروع حصاة حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظم
ألا يسير هذا الشعر في ركاب كل عصر؟.
والبهاء زهير؟. . . أتنسى البهاء زهيراً؟. . .
أنا من تسمع عنه وبَرى ... لا تكذب في غرامي خبرا
وماذا نطلب في الشعر إلا أن ينهج هذا النهج، إلا أن يصدر عن هذا المورد؟. ماذا نبغي منه إلا أن يبقى أبداً شهي المذاق، إذا رددناه في كل ثانية أطربنا ورجونا أن نستزاد منه، فلا يتنكر له زمن من الأزمان، ولا تشد دونه الأسماع كلما قام للأدب العربي كيان. فالأدب الجديد إذا هو المبتكر، الفريد، السائغ، الرائع الديباجة، الواضح الجلي، الذي يرضى عنه كل عصر، ويهضمه كل جيل، فلا يؤلم السميع بغريب الألفاظ، ولا بالنافر من المعني، ولا بالتكلف والتعقيد. والأدب القديم هو المثقل بالتقليد، المطبوع بطابع عصر خاص لا يعدوه، المنغمس في السجن في نثره، والمتوكئ على الألفاظ والتفلسف في شعره، العويص، الخشن، الوحشي الكلمات والمعاني، هو ما يحتاج إلى القاموس كلما خطر لك أن تجيل الأنظار ومثل هذا الأدب شؤم على اللغة والبيان، إلا أن المحافظين يستمرئونه، بينما أنصار التجديد يشنون عليه الغارة، وينادون إلى استئصاله وهو أدب راكد، والأدب الراكد لا يعيش! وقد طال التطاحن بين الأدبين، وسيطول كلما بقى في الأدب قديم وجديد. وعندنا أن الأدب الجدير بالحياة ما استوفى شروط البيان، وحفل بالمبتكر، وهز النفس، وأرغمك على قراءته والإصغاء إليه، هو ما أطربك كلما رويته ووقفت على بدائعه وآياته. هو ما رمى إلى أبعد مما يرمي إليه مقال في صحيفة سيارة بنشر اليوم ليطوي غداً. . .!