ففي مطالعة هؤلاء الأئمة ما يساعد على اقتباس العصمة والقوة والفخامة. الا أن التشبه بهم يدل على العقم والعجز عن التوليد، يدل على الانغماس في التقليد، على الغرق في بحيرة ملأى منذ ألف عام. فمن خاض عبابها، أن يبلغ شاطئها الآخر وإذا بلغ هذا الشاطئ فأي فضل هو فضله وقد كان تابعا لا متبوعا، وقد وقف حيث وقف سواه؟. .
ولماذا الإقتداء بأبي تمام والمتنبي وأبي العلاء في شعرهم الضخم الجانح إلى القديم أكثر منه إلى الجديد، وهناك عمر بن أبي ربيعه في قالبه الصحيح العذب الرسيل؟. . . فإن ابن أبي ربيعه أبن كل عصر، على حين أن المتنبي أبن عصر أو عصرين أو ثلاثة. فأن شعر زعيم الغزليين يقال وينشد ويردد اليوم وغدا وبعد غد، ويدغم فيما يقال اليوم وغدا وبعد غد كأنه منه وفيه. فلا يجفوه عصر ولا يعرض عنه أي عهد. بينما المتنبي لا يرحب بأسلوبه كل جيل، وأن يكن ثمة من اعترف به سيد الشعراء. وكيف تسمع عمر بن أبي ربيعة ينشدك أبياته:
تقول وليدتي لما رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا
أراك اليوم قد أحدثت أمراً ... هاج لك الهوى داء دفينا
وكنت زعمت أنك ذو عزاءٍ ... إذا ما شئت فارقت القرينا
بعينك هل رأيت لها رسولاً ... فساقك أم لقيت لها خدينا
فقلت شكا إلى أخ محب ... كبعض زماننا إذا تعلمينا
فقص على ما يلقى بهند ... يذكر بعض ما كنا نسينا
وذو القلب المحب وإن تعزى ... مشوق حين يلقى العاشقينا
كيف تسمع هذا الشعر ولا تحسبه من مواليد اليوم، بل من مواليد كل يوم، وهو الوضاء الصافي، الأنيق الرقيق؟. .
وهذا أبن الدمينة هلا أضعنا إليه في قوله:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجداً على وجد
أَإن هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على فنن غض النبات من الرند
بكيت كما يبكي الحزين صبابة ... وذبت من الشوق المبرَح والصد
هلا أصغينا إلى هذا الشعر البهيالقشيب وهو يحدثنا بلغة اليوم وروح اليوم؟. . . .