للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمضى ثم طواه الخفاء، ولم يقع عليه طرفها بعد ذلك إلا حينما كانت تتناول غداءها في إحدى المحطات وهو يرمقها من بعيد، ثم أخيراً في (منتون) حيث استقر بها النوى!

- ٢ -

وثاب الطبيب إلى صمت هنيهة، ثم وصل ما انقطع من حديثه قال:

(وذات يوم، بينما كنت أتلقى مرضاي في عيادتي، دخل علي شاب فارع القامة وسيم المحيا وسألني في هدوء وسكينة: (أيها الطبيب، لقد أقبلت متقصياً أخبار الكونتس ماريا بارنوا! إني من أصدقاء زوجها، وإن كانت لا تربطني بها معرفة!)

فأجبته: (لقد أفلت الزمام من يدها، ولن تطأ أرض روسيا بعد الآن!)

فإذا بي أرى الرجل يغرق في البكاء، ثم مضى في سبيله يترنح كمن ذهبت بلبه الخمر! وقد أخبرت (الكونتس) في المساء بما كان من شأن ذلك الرجل الغريب، فهزت رأسها وقد لاحت على وجهها سيماء التأثر. . . ثم أخبرتني بتلك القصة التي رددتها على أسماعكم لتوي!

ثم أضافت قائلة: (إن هذا الرجل الذي لا أدري عنه شيئاً. يتبعني الآن كظلي!. ولا أكاد أخرج يوماً حتى ألتقي به. . . فينظر إلي في رقة ونبل. . . بيد أنه لم يحاول أن يخاطبني أبداً!. . .

وران الصمت عليها حيناً، وهي تحاول أن تجمع شتات فكرها. . ثم قالت: (تعال. . . سأراهنك على أنه قائم تحت النافذة في هذه اللحظة!.)

وغادرت كرسيها الطويل، وخطت إلى النافذة. . ثم أزاحت الستار عنها، وجعلتني أرى ذلك الرجل الذي أتاني في الصبيحة. جالساً على مقعد في الروضة أمامنا. . يمد بصره إلى المنزل. . فما إن وقع بصره علينا - ونحن في النافذة - حتى نهض من جلسته، ومضى في الطريق لا يلوي على شيء، حتى غاب عن ناظرينا!. .

وحينئذ فطنت إلى شيء عجيب يبعث الحزن ويثير الإعجاب. لقد أدركت سر ذلك الحب الصامت الذي توثقت عراه وتمكنت وشائجه بين هذين المخلوقين اللذين جهل كل منهما صاحبه كل الجهل!. .

إنه يهيم بها ويعبدها عبادة خالصة، ويود أن يفديها بحياته. فكان يقبل علي في كل صباح

<<  <  ج:
ص:  >  >>