المختارة الموجودة في ذلك العهد، ولا سيما العربية منها، ولكنه لما لم يجد بعد البحث الطويل ما يطفئ غلته ويقضي به لبانته ويريح ضميره كباحث مجد، لما لم يجد جواباً واضحاً وحلاً موفقاً لما كان يجول بخاطرهم، المشكلات العلمية أخذ يستحضر رجال الخبرة الأجانب الذين وفدوا على مملكته من كل فج ويسألهم بواسطة المترجمين منفردين أو مجتمعين عن مواقع البلدان وحدودها، وعن كل ما يتعلق بها جغرافيا كلا بقدر ما تصل إليه معرفته، وقد كانوا كثيري العدد، فأن توافقت أجوبتهم ولم تتضارب أقوالهم اعتبر إجابتهم صحيحة وأعطاها قيمتها العلمية وقيدها وإلا ردها عليهم ولم يعتبرها، وبعد أكثر من خمس عشرة سنة قضاها بلا إنقطاع مع صاحبة الإدريسي في هذا العمل الخطير والبحث الشائق أستقر الرأي على تقييد ما وصلوا إليه ورسمه في خريطة عالمية كاملة تبين فيها مواقع البلدان والبحار والأنهار والجبال إلى غير ذلك كما وصل إليه البحث وانتهى إليه الاستقرار، فأعطيت القوس باريها، وعهد بهذه المهمة الكبيرة إلى الشريف الإدريسي الذي رسم أصل هذه الخريطة، ثمبعد هذا أراد الملك أن تحفر هذه الخريطة ثانية على لوح من الفضة، فأحضر الصناع المهرة الذين أتموا هذا العمل تحت رعاية الإدريسي ورقابته، وبعد أن جعل الملك مقدار أربعمائة ألف درهم من الفضة كما روى خليل الصفدي تحت تصرف الإدريسي لهذا الغرض اتخذ الإدريسي أقل من ثلث المقدار مائدة مستطيلة يبلغ طولها كما قدر الأستاذ (ميللر) ثلاثة أمتار ونصف متر وارتفاعها مترا ونصف متر تقريبا، ثم حفر عليها بواسطة الصناع المهرة كما قدمنا خريطة بغاية الدقة والإتقان وتمام الموافقة لتلك الخريطة التي رسمها قبل القيام بعملية الحفر، وكان الفراغ من هذا العمل الجليل الشأن في يناير سنة ١١٥٤ م. وكشرح لهذه الخريطة وتعليق عليها ألف الإدريسي كتابه نزهة المشتاق في إختراق الآفاق أو كتاب رجار الذي أشرنا أليه، وإنه لجدير بهذه التسمية بعد أن بذل هذا المليك الجليل تلك العناية الكبيرة، وقدم هذا السعي المحمود خدمة للعلم وحبا فيه، وقد كانت العناية بتآليف هذا الكتاب شبيهة بأختها في وضع الخريطة. فقد اختار رجار الثاني والإدريسي عدة من الرجال الذين بصح الاعتماد عليهم في مثل هذه العظائم وبعثوهم إلى جهات العالم المختلفة ليدرسوا احولا البلدان النائية ويدرسوا أهلها وعاداتهم وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويدرسوا حاصلات البلاد وحيواناتها