برقم ٧٥٧٧، وهي تقع في ١٦٧ لوحة، وفي كل لوحة صفحتان، يستغرق الجزء الأول منها ١٤٨ لوحة، واللوحات الباقية من الجزء الثاني. . . وهو كتاب نفيس حقاً أضعه في ثقة وأمن في طليعة كتب النقد الأدبي، واعد مؤلفه في مقدمة الطبقة الأولى من أعلام النقد، لا في القرن الرابع وحده بل في كل العصور. ولنفاسة هذا الكتاب وطرافته، لا أريد أن أحدثك عن فكرته وأسلوبه ومنهجه، بل أذر مؤلفه يحدثك عن ذلك كله لتتبين بنفسك أغراضه ومقاصده، وتتعرف بذوقك رأيه وتفكيره، ولئن كان الكتاب يعرف من عنوانه كما يقال فإنه أيضاً يفهم من مقدمته.
قال ابن وكيع: (أما بعد حمد الله والصلاة على رسوله الكريم، وعلى آله المصطفين الأخيار الطيبين الأبرار، فإنه وصل إلي كتابك الجليل الموضع، اللطيف الموقع، تذكر إفراط طائفة من متقدمي عصرنا في مدح أبي الطيب المتنبي وتقديمه، وتناهيهم في تعظيمه وتفخيمه، وأنهم قد أفنوا في ذلك الأوصاف وتجاوزوا الإسراف، حتى لقد فضلوه على من تقدم عصره عصرَه وأبر على قدرِه قدره. وذكرت أن القوم شغلهم التقليد فيه عن تأمل معانيه، فما ترى من يجوز عليه جهل الصواب، في معنى ولا إعراب. وذكرت أنهم لم يكتفوا بذلك حتى نفوا عنه ما لا يسلم فحول الشعراء من المحدثين والقدماء منه، فقالوا: ليس له معنى نادر، ولا مثل سائر، إلا وهو من نتائج فكره، وأبو عذره، وكان لجميع ذلك مبتدعاً، ولم يكن متبعاً، ولا كان لشيء من معانيه سارقاً، بل كان إلى جميعها سابقاً، فادعوا له من ذلك ما ادعاه لنفسه على طريق التناهي في مدحها، لا على وجه الصدق عليها فقال:
أنا السابق الهادي إلى ما أقوله ... إذا القول قبل القائلين مقول
وهذا تناه ومبالغة منه كاذبة، وقد يأتي الشاعر بضد الحقائق، ويتناهى في الوصف وهو غير صادق. وذكرت أنك عارضت دعواهم بأبيات، وجدتها في شعره مسروقات، فادعوا فيها اتفاق الخواطر، ومواردة شاعر لشاعر. واحتجوا عليك بامرئ القيس في قوله:
وقوفاً بها صحبي علىَّ مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل
فوافق خاطره خاطر طرفة في قوله:
وقوفاً بها صحبي علىَّ مطيهم=يقولون لا تهلك أسى وتجلد
وأحببت إنهاء ما عندي إليك، غير متحيف لك ولا عليك، فأقول والله الموفق للصواب: