للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى هذه الوسائل، أو لاستفتوا عن معظمها، ولو أنصف الناس استراح القاضي.

ومن آثار هذا التباعد بين العلوم والأخلاق، والتفاوت بين العقول والأنفس أن سلك الناس إلى المال والجاه والشهوات مسالك شتى، وافتنوا في التوسل إليها بما عرفهم العلم ورضوا في سبيلها بالدنايا، ولم يقفوا في ابتغائها عند حد.

كل طامع جاهد مستزيد، لا يرضى ولا يقنع ولا يعف، ولا يقول هذا حسبي، وهذا حقي، وهذا حق غيري، وهذا حلال، وهذا حرام، وهذا شريف، وذاك خسيس (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقليل ما هم).

وضاع الحياء، وفقدت المروءة. . . ألا ترى بعض التجار يجذبون المشترين بنساء فاتنات يكلون إليهن البيع، أو قبض الأثمان، ومنهم من يدعوا إلى بضاعته في الصحف بصور مغرية، ولو كان امرأة في حمام، كما يفعل بعض تجار الصابون، ويعينهم على هذه الدنايا أصحاب الصحف ابتغاء الربح أيضا!

ألا ترى الصحف والجرائد والمجلات، إلا النادر، تستهوي الناس بنساء عاريات، وصور مفسدات، وقصص موبقات؟!

أليس معنى هذا، حين تسمى الأشياء بأسمائها، ويكشف عنها تمويهها، أن ناشر هذه الصور يتوسل إلى الرواج بأن يجذب الناس - بكل وسيلة - غير مبال بالأخلاق والأعراض، يستوي عنده الصلاح والفساد!

رحم الله من قال: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها)!

ومن قال:

ولقد أبيت على الطَّوى وأظّله ... حتى أنال به كريم المأكل!

غلبت الناس المادة، وضعفت فيهم الروح، فجهادهم ونزاعهم وصياحهم وضوضاؤهم في المادة ولها إلا قليلا. بل هذه الشيوعية التي فتن بها بعض الناس وحسبوها مثلا عاليا، أو المثل الأعلى في التسوية بين الناس هي مادية خالصة تنكر كل شيء إلا الخبز، فهي كالمساواة بين القطيع في المرعى، وليس للقطيع اختيار في المسير أو الوقوف، وليس له حق في غير الكلأ والماء.

فأما التدين والسمو الروحي والحرية والفضائل والأواصر الرحيمة التي تربط بين الوالدين

<<  <  ج:
ص:  >  >>