للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طلبا أقدمه إلى معالي الوزير. فأنت - كما تزعم - أديب كبير) قلت (وما للأدب وللطلبات الحكومية. إن الأديب يكتب على نسق خاص لا تستسيغه الأوراق الحكومية وهي لا تنضم - عادة - إلا على ألوان من التملق وأساليب من الخضوع وفنون من الذلة وأنواع من المسكنة، وأنا لا أحسن شيئا منها) قال في غضب (ومن ذا الذي يحسنها غيرك أيها الموظف؟) قلت في ابتسام (مدير المكتب يمليك فهو يختار - دائما - من الكلام ما يرضي الوزير ويتملقه) قال وهو يلتفت إلى المدير (نعم، أفتسمح يا سيدي المدير فتملي).

ورأى المدير أن المزاح يوشك أن ينقلب جدا، فاضطرب في كرسيه حين تراءى له ما سيكون بعد، فاعرض عن البك ومال إلى يسر في أذني (أرأيت كيف جرنا المزاح إلى الهاوية؟) قلت (أي هاوية؟) قال (هذا الرجل صديق الوزير، ما في ذلك من شك، وهو سيصر على أمر وسيحدث به الباشا، فماذا ترى سيقول حين يعلم ما كان مني وما كان من هذا الرجل. لا ريب أنه سيثور علي ويقذف بي إلى أقصى الأرض رغم ما تعرفه من ثقته بي وحرصه علي) قلت (لا تخف!) ثم التفت إلى سعادة البك أحدثه قائلا (أتطلب إلى الوزير أن تكون مديرا لمكتبه؟ كيف ترضى أن تكون خادما له تحمل حقائبه وتتبعه كما يتبع الكلب الأمين سيده، وتنمحي أنت بين مشاغله ورغباته؟) فثار حينا ثم قال (ومن قال ذلك؟) قلت (هذا هو عمل مدير المكتب) قال (لا، لست أرضى بأن أكون تبعا لأحد، يكفيني أن أعين عضوا في مجلس الشيوخ) قلت (حسنا، هذا مركز ذو شرف وجاه).

وأخذ مدير المكتب يملي والرجل يكتب إلى الوزير رجاء أن يعينه عضوا في مجلس الشيوخ، وتنفس المدير واطمأن وهدأت وساوسه. ورضى سعادة البك. ثم التفت البك إلى مدير المكتب قائلا (مر من يكتب هذا الطلب على الآلة الكاتبة، وسأحضر غدا لأقدمه بنفسي إلى معالي الوزير) وأجاب المدير بالإيجاب. ولكن الشواغل شغلته عن أن يفعل.

وجاء البك في الميعاد فألقى طلبه ملقى في ناحية. وبدا له أن مدير مكتب الوزير قد أهمل شأنه فثار به. وعلى حين غفلة منه اندفع صوب باب الوزير يقتحمه ليشكو هذا الموظف المهمل، فما انتبه المدير إلا ليرى البك أمام الوزير وجها لوجه، والوزير يهش له ويبسم ويلقاه في سرور. وعجب المدير لما يرى ولكن الوزير أمره بأن لا يوصد بابه في وجه سعادة البك لأنه صديق روحه ورفيق قلبه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>