وقابلني رمانتا غصن بانة ... يميل به بدر ويمسكه حقف
ويقول:(إضلفة الرمانتين إلى غصن البانة تدل على أن أغصان ألبان من ثمرها الرمان، وقد عرفنا مقصده، إنما شبه الثديين بالرمانتين وقدها بالغصن، وأرانا جمع خلفها غرائب لا تجتمع، ولا تقع إلا فيه، ولو أمكنه أن يقول: (رمانتان في غصن بانة) كان أسوغ في مقصده كما قال ابن الرومي:
أغصان بان عليها الدهر فاكهة ... وما الفواكه مما يحمل ألبان
فكل يعجب مما ليس في العادة اجتماعه. فأما إطلاقه اللفظ على الرمان أنه من ثمر ألبان بغير مقدمة توضح مراده فلا أستحسنه هاهنا. وقوله:(يميل به بدر) فالبدر وجهه، وليس يميل وجهه بقده، لأن قده إذا مال، مال يوجهه حيث يميل. وابن الرومي أشعر منه في إثباته أن الفواكه ليست مما يحمل ألبان، فدل على أن المراد التشبيه لا الحقائق، وهو أولى به. وهذه معان متداولة إذا نشط لأحدها فلا بد من إخراج مواضعها، ومع ذلك فقد عرفتك نقصان صنعته فيها، وكلاهما بالسلامة أرجح وهما أولى بما قالا).
ويوازن ابن وكيع بين قول المتنبي:
هم الناس إلا أنهم من مكارم ... تغنى بهم حضر ويحدو بهم سفر
وبين قول ابن الرومي:
وقد سار شعري شرق أرض وغربها ... وغنى به الحضر المقيمون والسفر
فيقول:(فألفاظ بيت ابن الرومي ويأخذ بعضها بأعناق بعض، وقد عرف (الحضر والسفر) بالألف واللام، فيمكن أن يقال: إن الناس كلهم قد عنوا به، وأبو الطيب نكر، فأمكن أن يكون المعنى فرقة من الحضر وفرقة من السفر. وإذا كان كلام ابن الرومي أشرح وأمدح بإمكان العموم فيما خص فيه أبو الطيب، فابن الرومي أحق بما قال. ولعل قائلا أن يقول: جمع أبو الطيب حالتي الغناء والحداء، فصارت له زيادة فإنه إنما يحتسب له بذلك لو كان الغناء لا يكون إلا في الحضر، فإذا صلح للحضر والسفر، لم يصح تقسيمه، وقد قال عمر بن الخطاب: نعم زاد الراكب، فجعله بمنزلة الزاد للمسافر.
ويقرأ ابن وكيع قول المتنبي يخاطب حاديي عير حبيبته.