فيقول: (هذا بيت رديء الصنعة، لأنه كان في حديث الوحش ثم قال: (شموس) ولو قال (ظباء) كان قد أورد ما يجانس البيت الأول) وأحسن من قوله في بقية البيت قول أشجع:
وإذا نظرت إلى محاسنها ... فلكل موضع نظرة قتل
وقال أبو نواس:
رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفى عليه بكا عليه طويل
يا ناظراً ما أقلعت لحظاته ... إلا تشحط بينهن قتيل
قال ابن وكيع: وقد أخذت هذا المعنى فقلت:
لا ووجه لك بيدي ... صفحة السيف الصقيل
وسواد الشعر الأس ... ود في الخد الأثيل
وعيون لك لا تط ... رف إلا عن قتيل
ما جميل الصبر عن مث ... لك عندي بجميل
ومن ميز بين اللفظين عرف الفرق بينهما.
ويقرأ ابن وكيع قول المتنبي:
شاب من الهجر فرق لمته ... فصار مثل الدمقس أسودها
فيقول: (تخصيصه الشيب في فرق اللمة ضيق عطن بلفظ يعم جملة اللمة وكان ينبغي إذا خصص فرق اللمة بالشيب أن يقول (فصار مثل الدمقس أسوده) لعود الهاء على المذكر.
ولو قال:
شابت لهجر الحبيب لمته ... فصار مثل الدمقس أسودها
كان في الصنعة أملح، وهو مأخوذ من قول القائل:
بيني عنه أبان في شعَري ... أبيضه بعد حسن أسوده
في هذا البيت مجانسة من ذكر البين والإبانة، وفيه مطابقة، وفيه ضرب من استخراج معنى احتذى عليه، وإن فارق ما قصد به إليه، من ذلك قول امرئ القيس:
فظل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل
فشبه الأبيض بالأبيض، فنقل أبو الطيب هذا التشبيه من الشحم إلى الشيب وشبه الأبيض بالأبيض، ففي هذا البيت رجحان على ما قاله أبو الطيب والسابق أولى به.