تلائم أمة دون أمة، ولا تتصل بتاريخ دون آخر، وهي لا صلة لها بالدين والأخلاق والآداب والعادات والعرف والطباع ونحوها.
أخذ المسلمون الحضارة الصناعية على قدر ما مكّنهم علمهم وخبرتهم وأحوالهم، وعلى قدر ما يسرت لهم أوربا الأخذ. أخذوا نتائج هذه الحضارة الصناعية، وحاولوا أن يأخذوا ما تعتمد عليه من علوم وفنون.
ثم أخذوا كذلك ما لم يجدوا مناصاً من المسارعة إليه من نظم للجيوش، ونظم للدولة، ونظم للإدارة.
ثم زاد اتصال الغرب والشرق بالاقتباس والاقتداء، ثم بغلبة الغربيين على كثير من الأقطار وإقامتهم فيها واختلاطهم بأهلها. وأخذت هذه الحضارة أمم الشرق بالرغبة والرهبة. وبالسطوة والزينة، فسايروها راضين وكارهين، وعارفين ومنكرين، وافتتن كثير من الناس فرأوا كل ما أتى من أوربا حسناً، وكل ما ورثه الشرق من تاريخه قبيحاً. وزادت هذه الحضارة إغراء بما ازينت به من مناظر، وما اتصلت به من لذة ولعب ولهو، فلم يقو على معارضتها والصبر على فتنتها إلا قليل.
واشتبهت الأمور، وانبهمت السبل، والتبست الأشياء، فلم يفرق الناس بين طيب وخبيث، ونافع وضار، ومعروف ومنكر، هذه الفتن التي تدع الحليم حيران، فكيف بالجهلاء والعامة في هذا السبل الجارف والطوفان الطام؟
ولم يفرق الناس في هذه الفتنة العمياء، وهذه المحنة الصماء، بين الحضارة الصناعية والحضارة الأخلاقية، ولم يميزوا بين ما يلائم وما لا يلائم، فقاسوا الأخلاق والآداب وسنن الجماعات وروابط الأسر، وقاسوا العقائد والمذاهب، على السيارات والطائرات والغواصات والمدمرات، وعلى البرق والهاتف والمذياع، وفتنوا بالمسرح والمرقص، وبالتزين والتبرج والتعري. واختلط الحابل بالنابل، وضاع الحق في هذه الضوضاء، وضلت المروءة في هذه السوق. ونادى العقلاء فلم يسمع لهم، وقال الحكماء فلم يبالَ بقولهم، وغُلِب الناس على أمرهم حتى أختلف القول والعمل، فترى الإنسان ينكر الشيء ويفعله سيراً مع الدهماء، ويخلفه اعتقاداً ورأياً وقولا ويخضع له في داره بين أهله وأولاده. وبلغت الفتنة أن قال بعض الكبراء وأنا أحاوره في الطرقة المثلى: (إن الطريقة المثلى هي