لسنا جاهلين بمحاسن الحضارة الحديثة وفضائلها ومزاياها، ولا غافلين لذاتها ومتعها؛ ولكنا لا نجهل كذلك رذائلها وعيوبها، ولا نغفل عما وراء لذاتها من مهالك للأمم ومفاسد للجماعات. ما أيسر أن يُعِفىَ الإنسان نفسه من الإصلاح، وينهز مع الغُواة، ويستمتع مع المستمتعين، ولسنا عن هذا عاجزين، ولكن الأمانة التي في أعناقنا للأمة، والواجب الذي علينا لها، والبصر بما وراء المظاهر، والبصر بما وراء المظاهر، إدراك ما بعد الحاضر، كل أولئك يعَنّي المفكر، ويقلقه ويسلط عليه هموما لا تنام ولا تُنيم. فيُلزم نفسه الدعوة إلى الإصلاح، والأخذ بالأشق، وحرمان نقسه من كل ما يأباه الوجدان اليقظ، والعقل الصحيح.