الآلهة في الميثولوجيا الإغريقية تدفعها حيوية عارمة إلى كل تصرفاتها. حيوية لا تعرف العدل والحق والخلق والضمير، لأنها حيوية عاتية شهوانية باطشة. فليس لديها ما يمنع من صب كل هذه اللعنة على (أوديب) لمجرد شهوة أو حقد من (أيولون). كذلك صنعت مع (هرقل) وكذلك صنعت مع (برومثيوس) وغيرهما. وجو الأساطير الإغريقية كلها يوحي بهذا الطابع الخاص الأصيل. . . وهذه الآلهة نفسها يسيطر عليها (القدر) أو قوة تشبهه، وقد لا تكون مخيرة هي الأخرى في دفعاتها وشهواتها وبطشاتها!
والآلهة في الميثولوجيا المصرية القديمة تسيطر عليها فكرة العدل والخلق والحق - في الغالب - فلعنة مثل لعنة (أوديب) غير مستساغة في ضمير الميثولوجيا المصرية القديمة.
فأنت - يا صديقي - بضميرك المصري القديم لا تعيش في نفسك هذه الأسطورة الإغريقية!
وأما الإسلام فينبذ نهائياً فكرة الشهوة والظلم عن ذات الله. وقد بينت أنت نفسك أن فكرة القدر في الإسلام لا تتفق مع الفكرة الإغريقية.
فأنت - يا صديقي - بضميرك الإسلامي الحديث، لا تعيش هذه الأسطورة الإغريقية!
وقد يعن لك أن تقول كما قلت فعلاً: إنك عالجت الأسطورة من جانب آخر جديد. جانبها الإنساني العام. ففي (أوديب) مثلاً جعلت (الموجب للكارثة طبيعة أوديب ذاتها. طبيعته المحبة للبحث في أصول الأشياء الممعنة في الجري خلف الحقيقة).
ولكن الأسطورة هي الأسطورة. فلعنة الآلهة هي التي خلقت جوها وحوادثها.
لقد عاشت تراجيديا سوفوكل، لأنها نبعت من حرارة وجدانه بالأسطورة الحية في ضميره وضمير شعبه. أما عملك أنت وعمل الآخرين من المعاصرين الذين لا يؤمنون بالأسطورة إيمان سوفوكل. فلن تكتب له الحياة إلا بمقدار ما في نفس كل منكم من إيمان حار بأسطورة (أوديب)، وبمقدار ما عاشت هذه الأسطورة في ضمير شعبه وضميره من الحقب والسنيين، وبمقدار تناسق هذه الأسطورة مع الحياة الشعورية له بوجه عام.
ولا تؤمن بما يقوله الدكتور طه - مساء الله بالخير - ويردده من أن مصر إغريقية التفكير، لأن مدرسة الإسكندرية القائمة على أساس الفلسفة الإغريقية تركت آثاراً عميقة لا تمحى! لا تؤمن بهذا فإنما هذه هي فتنة الدكتور الكبرى بالإغريق!