السعادة، ولكن ما نسجتموه حوله أجلسه على عرش العروش يوزع اللذات ويفتح أبواب النعيم.
إنكم تكثرون من الكلمات فيضيع عليكم الكثير من أهدافكم وانتم في ذلك كالشجرة التي تكثر أوراقها فتقل ثمارها. التفخيم والتضخيم ووراءهما التشويش والتعقيد والحيرة والإلهام والإبهام من صنع أيديكم كأنه يلذ لكم أن تكثروا النجوم في آفاقكم لتضيعوا في مسالكها. . . إنكم تلهون بطنين الألفاظ عن دقة المعاني وحقيقة الحياة وجوهرها وكأن كل كلمة من كلماتكم حجر تلقون به في البحيرة الهادئة الحكيمة الوداعة فتقلق وتضطرب وتفقد الكثير من سكينتها وجمالها. . .
إن الله لم يلفظ بغير كلمتين (ليكن النور) يوم رفع عنا الستار في حين أنه رب الأبجدية والمعاجم. . إن الخالق يوم خلقنا كان بليغاً. . .
وسألوه عن القوة الظاهرة والكامنة فقال:
- في عالم الروح قوى كامنة تنتظر من يطلقها فإن شخصية الإنسان لا يبدو منها إلا عشر ما تنطوي عليه والباقي مختزن راقد في الأعماق. . إن القوى الدفينة في رمالكم عديدة بعيدة الأغوار، وما يستطيعه هذا المخلوق البشري الذي يحسب نفسه ضعيفاً يمتد على مسافات لو كان له أن يجتازها في عالم الحقيقة المحسوس لأتى بالمدهشات. . . إن في الإنسان فيضاً من نور الخالق، ولكن العيون لا تقع منه إلا على بضعة أشعة هي التي تأتي بكل هذا الذي ندعوه العبقرية والموهبة والوحي والخيال الخلاق والفن الرفيع، والبقية الباقية غائبة عن الحس منطوية على نفسها ولا أدري ما يكون من أمركم وأية أهوال تقذفون بها في هذه الأجواء، وأية أسرار تهتكون حجبها إذا لم تصب شموسكم بالكسوف وتجلت شخصياتكم على وجهها الأتم. . خذوا من ساعاتكم ساعة الإلهام وساعة الخطر وساعة الحلم وساعة الخطر وساعة الخمر تلمسوا بأيديكم ما تقوى عليه عقولكم الباطنة إذا ما خرجت عن ذهولها. .
إن نظرة واحدة من نظرات تلك العقول في يقظتها تكفي لخلق هذه الروائع في الفن، وتلك العجائب في العلم، وإن شهاباً واحداً من تلك الشهب النفسية يتصل بكم نوره يكفي ليضعكم في عدد الأبطال والمستشهدين، ويجعل من أسمائكم سيوفاً تبلغ من المضاء حداً تخترقون