أفيظن أن فكرة القضاء والقدر، ولا سيما على النحو الذي يعالجها به في مسرحيته، في وسعها أن تحرك قلب إنسان، أو أن تثير انفعال مؤمن أياً كان؟ الواقع أن الإيمان شيء والفلسفة مهما انحطت شيء آخر. ومع ذلك فقد عرف العالم الإسلامي - على نحو ما - هذا النوع من التمثيل، تمثيل المآسي الدينية في الطرقات والميادين العامة على نحو ما كان يفعل الإغريق القدماء أول عهدهم بالتمثيل. من ذلك مأساة مقتل الحسين، ابن بنت رسول الله (ص) التي يقوم الشيعة في إيران والعراق بتمثيلها يوم عاشوراء من كل عام.
في هذا اليوم يحي عامة الناس من ممثلين ومشاهدين أحداث يوم كربلاء، لا على حقيقتها، بل كما أرادت الأساطير وحماسة الإيمان أن تكون. يحيون هذه الأحداث الجسام التي تجتمع عليها خفقات قلوبهم، وتثير في نفوسهم عواطف اجتماعية، وبفنون في نفوس تكثيلها لشدة امتزاجها بنفوسهم واستيلائها على قلوبهم ولصوقها بإيمانهم. حتى لقد حدثني بعض الأصدقاء ممن شاهدوا هذا اليوم بأن من المشاهدين من نسي نفسه نسياناً تاماً، حتى ليصيب نفسه بأذى قد يودي بحياته على غير شعور منه. على مثل هذه (العواطف الدينية) قامت التراجيديا الإغريقية، وتراجيدية أوربا المسيحية حتى عهد كرني. وهذه العواطف الدينية هي التي يجب أن تكون أساساً للتراجيدية، هذه العواطف التي تلهب النفوس وتجمع بين القلوب، لا جدل المتكلمين ومذاهب الفلاسفة السكولستيين، كما فعل مؤلف سليمان الحكيم، خلطاً منه بين العاطفة الدينية، وبين الجدل حول الدين الذي لم يمس يوماً قلب إنسان، وقد ينبو عنه في عصرنا الحاضر عقل كل إنسان.
فإذا رأى الأستاذ الحكيم أن هذه المواضيع الدينية الساذجة أصبحت شيئاً بالياً، وأن على الكاتب أن يشغل قلمه بما هو أجدى في عصر طغى فيه جد الحياة وقسوة العمل، فليترك إذن ميدان التراجيديا لتموت في هدوء كما هي حالها في كل مكان من بلاد الغرب، ولينزل إلى ميدان (الدرامة) ميدان الحياة الاجتماعية، إلى العالم الذي نعيش فيه، فيصفه لنا بخيره وشره، وإلى العالم الذي يريد لنا أن نعيش فيه، فيهدينا إلى طريقه، سواء أكان ذلك في ميدان العمل أم في ميدان الروح، في ميدان الاجتماع أم في ميدان الميتافيزيقة. أما أن يصر على التراديجية وهو يبتعد عن موضوعها على غير شعور منه لأن نفسه غير مهيأة له، فتلك خسارة كبرى على فن توفيق الحكيم، وهو فنان كبير، وتبديد لمواهبه في الهباء، وهو