للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذو مواهب حقة لا نظن أحداً يشك في قيمتها.

ومن أفدح ما أصاب فن الأستاذ الحكيم في القصة التي تدرسها من جراء الفكرة التي تقوم عليها، والتي دفع الكاتب إليها تشبثه بالتراديجية مع بعده عن الصواب في إدراكه للأسس التي تقوم عليها وإغراقه في حب التفلسف، أن جاءت روايته غير قابلة للتحقيق المسرحي لخلوها مما يثير قلب الإنسان أو يتصل بنفسه، وبعدها عن واقع الناس والحياة الحقيقية، والظاهر أنه يدافع عن هذا المذهب، ويعده مذهباً مقبولاً، أعني كتابة أدب مسرحي، وعمل روايات مسرحية، لا لتمثل بل لتقرأ في أوقات الفراغ. ففضلا عن تجلي هذه الظاهرة في (سليمان الحكيم) نراه يقول في مقدمته (لأوديب الملك): (وأعني بالمسرح هنا كل فن يرمي إلى تصوير الأشياء والأفكار على خشبة أو شاشة أو موجة أو صحيفة. . . بأن يقيمها حية تتحادث وتتحاور وتبرز مكنون سرها أمام الناظر أو السامع أو القارئ) ولكنا - كما قلنا في مقال سابق - إذا سلمنا بأن الأدب المسرحي فن من فنون الأدب قائم بذاته، وجب علينا أن نسلم بأن ميزة هذا الفن إنما هي في الصفات التي تمكنه من التحقق في الخارج، من اللعب على خشبة المسرح. لذلك قلنا أنه إذا تأتى له ألا يكون أدبياً فلا يصبح له بحال من الأحوال إلا يكون مسرحياً. هذا هو شرط المسرحية الأول بل حدها. فأول الأضرار التي أصابت المسرحية من جراء الفكرة التي حملها المؤلف إياها، إنما جاءت مسرحيته لا تمت بشيء إلى قلب الجمهور وعقله، مسرحية لا تحرك فيه عاطفة ولا صدى لعاطفة وهذا ضرر لا يستهان به لأنه جعل منها قصة غير تمثيلية ولكن في صورة حوار.

أما الضرر الثاني فلا يقل خطورة عن الأول، وهو انعدام الشخصيات في المسرحية، انعدام ما يميز بعضها من بعض تمييزاً ذاتياً. إذا لا تكاد توجد بينها شخصية واحدة تصدر في مسلكها في الحياة عن بواعث نفسية وإرادة إنسانية، عن تقدير شخصي، وعن عواطف وميول ودوافع داخلية هي ملك لها وجزء من كيانها المعنوي، وتمييزها عن غيرها من أبناء جنسها وتلون مسلكها في الحياة بألوان تختلف عما عند الآخرين اختلافاً قد يكون كبيراً وقد يكون طفيفاً ولكنه جوهري وذو خطورة عظمى، لأنه هو الذي يهب الإنسان إنسانيته ويسبغ على كل فرد فرديته. وهو الذي يجعل من كل إنسان كوناً شاملا شاسعا غامضاً يستحق الدراسة والتأمل، كوناً منطقياً تارة وغير منطقي تارة، تتصارع فيه الأهواء

<<  <  ج:
ص:  >  >>