والعواطف والشهوات والأفكار وجميع العوامل النفسية والانعكاسات الخارجية. من هذا الصراع الداخلي، جلياً كان أو خفياً، ومن اصطدام حرية الفرد بحرية الآخرين؛ ومن نضاله ضد القوانين الكون الراسخة، تنفجر درامة الحياة الواقعية بما فيها من مآس ومهازل وأبطال هم بنو الإنسان جميعاً. وكلهم شاهد، وكلهم ممثل. وكلهم يلعب دوراً أصيلا في الدرامة؛ دوراً لا يلغى شخصيته ولو كان ملغى الشخصية، ولا يجعل منه نسخة من الآخرين لأنه يصدر في عمله عن نفسه، عما فيه من صفات؛ حتى عندما يحاكي الآخرين؛ لأنه وجود إنساني له كيانه. درامة الحياة هذه هي التي يجدر بالكتاب المسرحي أن ينقلها على المسرح كما يراها بعينه وكما يدركها هو؛ ينقلها بأبطالها بعد أن بتقمصهم الممثلون.
أما شخصيات الأستاذ توفيق الحكيم في رواية سليمان الحكيم فهي أشبه بالآلات؛ تأتيها الحياة من خارجها بدل من أن تنبثق من داخلها؛ وتفرض عليها الحركة من السماء فرضاً بدلا من أن تخلق هي الحركة؛ لذلك كانت كلها بسيطة متجانسة تجانس حبات القمح، حتى عندما تبدو مختلفة بعض الشيء. وذلك لأن أفعالها وتصميمها غير ذاتية. ومرجع هذا كله، مرجع انعدام الصراع وعدم التميز والحياة الحقيقية في شخصيات سليمان الحكيم إنما هو إلى دعوى المؤلف أن الحب وسائر أمور القلب، بل كل وازع خلقي وكل ما يستطاع الحكم به على سلوك الفرد والجماعة إنما هو اثر لقدر صارم يضرب ضربته حيث يريد هو، لا حيث نريد نحن. وتلك عقبة كبرى تحول بين القصة وبين المسرح، لأن المسرح كما قلنا يشترط الحياة والحركة، الحركة الداخلية والحركة الخارجية، والارتباط بين هذه وتلك. ولكنا إذا أخذنا أبطال الحكيم واحداً واحداً، وقذفنا بهم خارج الرواية لنحل محلهم أفراداً غيرهم أياً كانوا، لبلغت الرواية نفس النتيجة التي بلغتها ولما تغير شيء في الوجود، مادامت القوة الخفية هي القوة الخفية والإطار المادي الذي يحيط بهم هو هو لم يتغير. فهي أشخاص تشبه العرائس الخشبية قد تصدر عنها حركات بهلوانية عجيبة، ولكن الفضل فيها يرجع إلى اليد الخفية التي تحركها من وراء الستار. وإلا فهل يمكن لإنسان، ولو كان المؤلف نفسه، أن يستخرج لنا من قصة سليمان الحكيم صورة لسليمان نتبين فيها أنموذجا بشرياً خاصاً؛ أو حتى صورة إنسانية شائعة؟ وأرجو من القارئ الكريم ألا يخلط بين ما قد يكون في ذهنه من صورة لسليمان الذي عرفه في النصوص القديمة وصورة سليمان الذي